لطالما ارتبطت الطيبة في أذهاننا بالفضيلة، لكن الوجه الآخر الذي لا يتحدث عنه كثيرون هو أن الطيبة المفرطة قد تتحول إلى عبء نفسي واجتماعي يستهلك صاحبه حتى النهاية.
في علم النفس يُطلق على هذه الحالة اسم "متلازمة الشخص الطيب"، حيث يعيش الفرد أسيرًا لرغبة دائمة في إرضاء الآخرين. يقول "نعم" وهو مثقل بالرفض، يبتسم وهو محطم من الداخل، ويوافق على ما لا يريد فقط ليحافظ على صورته أمام الناس.
المشكلة أن من يعاني هذه المتلازمة يربط قيمته الإنسانية برضا الآخرين عنه. وكلما قدّم تنازلات أكبر، توهّم أنه محبوب أكثر. لكن الحقيقة عكس ذلك تمامًا: فهو يفقد ذاته تدريجيًا، ويتحوّل إلى شخص منهك بلا ملامح واضحة، بينما يتعامل المحيطون معه باعتباره "المُعطي الذي لا يرفض".
الحل لا يكمن في التخلي عن الطيبة، وإنما في إعادة توجيهها لتبدأ من الذات أولًا:
أن يدرك الإنسان أن كلمة "لا" ليست قسوة، بل حماية للنفس.
أن يفرّق بين قيمته كإنسان وبين رغبة الآخرين في استغلاله.
أن يتذكر أن الحب الحقيقي لا يحتاج إلى إلغاء الذات ليبقى.
الواقع المؤلم أن الطيبة المبالغ فيها ليست فضيلة كما نظن، بل قد تكون شكلاً من أشكال الهروب من مواجهة الذات. أما القوة الحقيقية، فهي أن تختار نفسك دون أن تشعر بالذنب.