هناك لحظات نشعر فيها أن قلوبنا لم تعد سندًا لنا، بل عبئًا يثقل خطواتنا ويقودنا إلى دروب لم نخترها بوعي. القلب الذي يُفترض أن يكون منبع الطمأنينة والدفء، يتحول أحيانًا إلى خصم خفي يورطنا في خيبات متكررة ويتركنا في مواجهة وجع لم نستعد له. فالقلب بطبيعته بريء؛ يمنح بلا حساب، ويصدّق بلا دليل، ويسامح حتى وهو ينزف. غير أن البراءة حين تنفلت من وعي يحكمها، تصبح سذاجة تفتح الأبواب للخذلان، وهنا يبدأ الصراع: بين عقل يحاول أن يحذرنا، وقلب يصرّ على المضي وراء أوهامه. كم مرة تخيّلنا أن الحكاية هذه المرة مختلفة وأن الشخص أمامنا صادق؟ ثم اكتشفنا أننا نعيد الدور ذاته على مسرح الحياة، بنفس المشاعر وبنفس النهاية. لا يعود الوجع نابعًا من الآخر فقط، بل من قلبنا ذاته الذي أصر على أن يفتح الأبواب، ثم عاد بعد السقوط يلومنا: لماذا سمحتِ له بالدخول؟
الحل ليس في قتل القلب ولا في إخماد مشاعره، فذلك يعني أن نتخلى عن إنسانيتنا، كما أن القسوة المصطنعة ليست حلًا بل قناع هش. الحل الحقيقي أن نتعلم كيف نوجه مشاعرنا بعقل؛ أن نتريّث قبل أن نمنح، وأن نختبر صدق من أمامنا قبل أن نصدّق وعوده، وأن نؤمن أن الحب ليس استسلامًا بل عطاء متوازن لا يكتمل إلا إذا كان متبادلًا. فالقلب ليس خصمًا لنا بقدر ما هو طفل صغير يحتاج إلى رعاية وتوجيه. هو أمانة بين أيدينا، إن تركناه يتيه بلا وعي قادنا إلى الوجع، وإن أحطناه بالحكمة صار مصدر قوة وسلام.
القلب ليس عدوًا لصاحبه إلا إذا تُرك بلا وعي ولا حِماية.