الثقافة الشائعة واللغة السائدة في المجتمعات العربية تُسهم في ترسيخ إهانة المرأة واحتقارها والتقليل من شأنها في العقل الجمعي الذكوري.
فالبكاء مثلًا من أرقى المشاعر الإنسانية التي تعبّر عن صفة الرحمة، وهي موجودة لدى الرحماء من البشر، سواء أكانوا رجالًا أم نساءً، لكنها في الثقافة السائدة تحوّلت إلى صفة نقص وعيب. ومادامت قد تحوّلت إلى ما يُعدّ نقصًا وعيبًا، فلا بدّ من إلصاقها بالمرأة. فمن غيرها سيتحمّل كل شرور العالم؟
يُقال للطفل الصغير، سليم الفطرة: "لا تبكِ، فالبكاء للنساء!" أو "أنت تبكي مثل النساء!"، فينشأ الطفل على أن البكاء عيب ونقص، وأن المرأة ناقصة ومُعيبة لأنها تبكي.
ويُقال للطفل الذي يريد أن يتكلم ويعبّر عما يجيش في صدره: "لا تثرثر مثل النساء!"، أو "لماذا ترغي مثل النساء؟!"، فينشأ على أن التعبير عن النفس صفة نقص وعيب، وأن المرأة معيوبة وناقصة لأنها تثرثر!
ويُقال للطفل الذي يهتم بمظهره وشكله وشعره: "التزيّن للنساء، وليس للرجال!"، أو "هل ستتزيّن مثل البنات؟!"، فينشأ الطفل على أن التجمل صفة نقص وعيب، وعلى أن المرأة معيوبة وناقصة لأنها تتجمل!
ويُقال للطفل صاحب الحياء: "أأنت تستحي مثل النساء؟!" أو "هل أنت فتاة؟!"، فينشأ الطفل على أن الحياء صفة نقص وعيب، وأن المرأة ناقصة ومعيبة لأنها تستحي!
والأمثلة كثيرة جدًّا على انتشار هذا النمط من التفكير، وهذه الثقافة التي تحتقر المرأة وتُفسد فطرة الرجل السوية منذ نعومة أظفاره، فتُخرج لنا هذه "المسوخ البشرية" المشوّهة.
وإلى الآن، وللأسف الشديد، لم يهتم الخطاب الديني بهذه المشكلة الكبيرة، وستظلّ هذه النظرة الدونية للمرأة، وستظلّ هذه "المسوخ الذكورية" منتشرة ما لم يتم تجديد لغة الخطاب الديني المعاصر.