لسبب ما لم يعد شادي إلى البيت بعد الدرس عند الأستاذة صفية ..،
كان قد حكى كل شيء ل " مجدي " زميله وبالطبع لم يصدقه ولكنه قبل أن يبقى معه بعد انتهاء الدرس ليثبت له أنه ليس خائف مثله وأن شيئاً مما قاله لم يحدث
مجدي أكبر من شادي بثلاثة أعوام أي أنه في السادسة عشرة تقريباً ولكنه متعثر دراسياً خبر الكثير عن الأشياء في الحياة ..، ولأن سنه يفوق أقرانه في الدراسة فإنه يتباهى عليهم دائماً بأنه الكبير الذي يجب أن يطاع وأنهم مجرد أطفال أمامهم الكثير حتى يعرفون ما يعرفه
نزلا إلى الشارع وابتاعا بعض الأيس كريم حتى أوشكت الشمس على المغيب .. هنا شاهدا الأستاذة صفية تغادر العقار حاملة عدداً من الدفاتر المدرسية كالمعتاد ..
دخلا إلى العمارة وهما يتلفتان حولهما .. إن مصيرهما أسود لو شاهد أحد من السكان ما ينتويا فعله ..،
صعدا إلى شقة الأستاذة ثم نظرا لبعضهما نظرة ذات معنى .. أخرج مجدي مدية صغيرة ثم راح ببطء يعالج القفل على باب الشقة بينما كان شادي يراقب الأجواء على السلم
انفتح الباب كاشفاً عن فراغ مظلم .. فأضاء مجدي البطارية وتقدم بالداخل بخطوات حذرة مترددة تبعه شادي ..
- أين ؟؟ تسائل مجدي بعد بضع خطوات وقد قرر أنه توغل أكثر من اللازم
أجابه شادي بحروف متقطعه وقلبه يتواثب من فرط الإثارة ..: كان هناك في هذه الغرفة آخر الردهة
تقدما بضع خطوات أخرى في حذر .. هنا سمعا باب الشقة يغلق بقوة ..
نظر الفتيان إلى بعضهما ثم عاد شادي إلى الباب وحاول فتحه لكن الباب لم ينفتح ..
تملكه الهلع وأعلنت عقدة الأماكن المغلقة عن نفسها فأخذ يصرخ وهو يضرب الباب بكفيه وقدميه حتى انهكه التعب .. هنا انتبه الى أن مجدي لم يعد بجواره ..!
كانت البطارية ملقاة على الأرض ولا أثر لصديقه ..،
- م .. مجدي ... م.مجدي لا تمزح معي أرجوك ..،
لا صوت ..!
أخذ البطارية ومعها نفس عميق ثم ازدرد ريقه في محاولة للسيطرة على انفعاله وإن كان موشكاً على البكاء ..،
مشى بضع خطوات راجفة إلى داخل الردهة .. كان يتلفت كل ثانية خلفه ان فكرة أن يجد الشيء وقد وضع يداه المعروقتان على كتفيه من الخلف كانت تجمد الدم في عروقه ..
بلغ المطبخ وهناك استطاع أن يجد شيئاً ..
مدية مجدي ملقاة بالداخل أمام خزانة الحبوب ..،
أمسك المدية وتأمل الخزانة .. هي أقرب لدولاب كبير يحوي كل متاع المطبخ .. ان الاستاذة صفية لا تقيم هنا بشكل دائم لذا كانت الخزانة قذرة إلى حد ما يفوح منها رائحة العطن ..، هناك عدد من الأواني المحترقة وعدة أكياس ملفوفة على شيء ما يبدو أنها خضر مجففه
قفز فأر سمين فوق قدميه فصرخ هلعاً ورجع إلى الوراء ثم تبين له أنهم أكثر من فأر ..
من أين أتت هذه الفئران ؟؟ كيف لم ترهم من قبل الأستاذة صفية ؟؟
تأمل الخزانة العملاقة من الداخل على الضوء الخافت .. ثم انتبه لأن قاع الخزانة ليس خشبياً بالأحرى لا يوجد قاع على الإطلاق إنها عبارة عن اركان خشبية ورفوف فقط ظهرها الحائط وقعرها بلاط المطبخ
لاحظ أن هناك عدد من وحدات البلاط منتزعة من مكانها كاشفة أسفلها عن ممر يقود إلى الأسفل بدرجات حجرية مهدمة ..
حسناً لم تكن الشجاعة بالتأكيد هي ما دفعت شادي للنزول ... لكنه الأمل في أن يجد مخرجاً ما من هذه الشقة بعدما انغلق الباب عليه من الداخل
وضع البطارية في فمه .. ثم حشر نفسه بداخل الخزانه واستدار بحذر شديد ليضع قدميه على الدرجة الأولى .. ثم تعلق بجدرانها وأكمل النزول ..،
لم يكن النزول شاقاً للغاية .. لكنه طويلا بعض الشيء .. سلم ضيق حجري وجدران حجرية عطنه نبتت عليها طحالب خضراء ورائحة غير محببه تزداد كلما هبط أكثر ..،
أخيراً انتهت الدرجات أمام نفق ضيق مضاء بالمشاعل على جانبيه .. أطفأ البطارية .. وصار يتقدم فيه ببطء ..
(بحق السماء كيف اختفى مجدي من جواره فجأة تاركاً إياه وحيداً ! )
من صميم قلبه راح يدعو الله أن يكون ما هو فيه محض كابوس مزعج سيفيق منه بعد قليل ليجد أمه قد أعدت له ساندويتشات الشيكولاته للعشاء
لكن لا شيء يدل على هذا حتى الآن التفاصيل حوله تخبره أن ما يراه حقيقي تماماً ..،
تلمس الجدران بيديه .. انها قديمة رطبه .. تزداد اتساعاً كلما تقدم فيها ..
هناك أشياء في الجدار ..
دقق النظر أكثر .. ثم كتم بيديه صرخة كادت تنطلق منه ..
هياكل عظمية بعضها كامل وبعضها منقوص .. هياكل عظمية قصيرة مدفونة في الجدار لو كان يعلم شيء في التشريح لأدرك من هيئتها أنها لأطفال في مثل عمره ..،،
انتبه لصوت خطوات تقترب ..
لذا راح يهرول في النفق على أمل أن يجد مخرجاً من الجهة الأخرى ..،
هنا وجد نفسه في في قاعة واسعة تتوسطها طاولة .. بجانبها مرجل أسفله حطب ورماد .. القاعه مضاءة بمشاعل غريبة بعض الشيء .. جماجم آدمية مجوفة من الأعلى والنار تنبعث من رأسها وعينيها بينما تتلاعب ضحكة الموت المعروفه على أسنانها
دار حول نفسه ليجد ما يختبيء فيه .. لا يوجد شيء الا برميل ازرق مغطى ..
هرول اليه وفتحه فانبعث منه رائحة خبيثة .. لكن ما ينتظر على بعد خطوات منه أخبث بالتأكيد .. لذا حشر نفسه في البرميل وراح ينتظر ..
سمع خطوات بالخارج .. وكلمات بلغة لم يتبينها ..
دفع برأسه غطاء البرميل في حذر وحاول ان يسترق النظر ..
كان عملاق أسود يحمل مجدي مغشي عليه كجوال من الدقيق ثم يلقيه بغلظة وقسوة على المنضدة .. ثم يتجه الى القدر والحطب أسفله فيشعل النيران ..و سرعان ما تصاعد البخار ..،،
يبدو أن هناك من يقف على باب القاعة .. عجوز تحمل منجلاً عملاقاً كذلك الذي يظهر في أوراق التاروت .. ترتدي اسمالاً لا تظهر من وجهها شيء
العملاق يقوم بتمديد مجدي على الطاولة وتكبيل قدمية وذراعيه .. بينما ترفع العجوز منجلها وتهوي به على رقبة مجدي فيرتجف الجسد للحظة ثم تتدحرج الرأس بعيداُ وتنفجر الدماء ..،،
هنا لم يستطع شادي أن يتحمل أكثر ..
يبدو أنه فقد الوعي ..،،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
عندما أفاق كان لم يزل في البرميل .. صفع نفسه قليلاً ليفيق ثم انصت السمع .. لا يبدو أن أحداً هنا ..
اخرج راسه ببطء لم يرى في القاعة أحد .. لا يوجد الا لطخات دماء على الأرض والمرجل يغلي فيه شيء ما ..
حاول الخروج من البرميل .. ليقف على قدميه .. كانت كل عظمة في جسده تصرخ ألماً ..،
تحاشى النظر إلى المنضدة ..
تقدم الى النفق ثم الدرجات الحجرية وصعد الى الخزانة مرة أخرى ... ليجد نفسه في الشقة المظلمة من جديد ...
هناك صخب بالخارج .. يرى الدخان في كل مكان وأصوات صراخ .. حاول فتح باب الشقة فانفتح معه .. خرج الى السلم ليرى عددا من رجال الشرطه ورجال الاطفاء يهرولون صاعدين لأعلى .. يبدو أن هناك شقة احترقت .. وانه لا أحد يبالي به ..
هكذا أسرع الخطى عائداً الى البيت .. سيكون موقفه عسيراً أمام والدته وسيكذب بشدة لتلفيق قصه تبرر غيابه كل هذه الساعات
لكن الموقف الأصعب سيكون عند والدة صديقه مجدي !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ