نامت إسراء الصغيرة كالملائكة بجوار ألعابها .. هكذا وجدتها أمها في فجر ذلك اليوم البعيد ..
حملتها برفق وهمت بوضعها في سريرها الصغير ..
فجأة استيقظت الفتاة فزعة : أين صديقي ؟؟!
حاولت الأم تهدئتها .. : من هو ؟ من تقصدين ؟؟
- صديقي السمين الذي كان يلعب معي منذ قليل !!
ابتسمت الأم بحنان ثم قالت بهدوء وصوتها الناعم يبعث الخدر في جفون الطفلة من جديد : نعم نعم ذهب لأمه وسيعود غداً يا حبيبتي
نامت الطفلة فأطفئت مصباح عرفتها ثم اتجهت لغرفتها مبتسمة وهي تتمتم :- يالخيال الأطفال !
ان عقل ابنتها توهم صديقاً لا وجود له !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
الآن تفهم كل شيء .. ابنتها الوحيدة ممسوسة وهي السبب ! .. هي التي أطعمتها خبزهم في أحشائها فتمكنوا من روحها
لم تكن إسراء أبداً فتاة طبيعية ..،
منذ طفولتها تلتزم الصمت والهدوء .. لم يكن لها أي أصدقاء في باستثناء شيرين جارتهم مؤخراً ..،
عندما تخلد للنوم ترى عيناها غير مغلقة تماماً .. وأسنانها تصطك مع بعض الأزيز كأنما هي نوبة صرع مفاجأة ! وطالما وجدت خدوش دامية على جلدها بعد استيقاظها
عندما تعلمت الرسم كانت ترسم مستطيلات يعلوها مستطيلات أخرى كأنها قبور ذات شواهد ..
دائماً كانت تجد في جيب ملابسها المدرسية بعض العملات الفضية ..، ودائماً كانت تكتب عن عالم آخر من مبتوري الأصابع والأقدام وذوي الأعين الواحدة في مذكراتها التي كانت تقرأها دون علمها
بالمناسبة هي لم تطالعها منذ مدة .. ربما تكون قد كتبت شيئاً جديداً ذا قيمة في تفسير حالتها
بأصابع راجفة .. تمد يديها إلى جرار المكتب العلوي وتلتقط الدفتر ..
بتاريخ يعود إلى ما يقرب شهرين كتبت إسراء :
" أصبحت أشعر أن أطرافي غريبة عني ..! تتصرف كما لو أنها مستقلة بذاتها حتى أصبحت أخشى أن تقرر الإنفصال في لحظة طيش " !
ما هذا الكلام الغريب ! واصلت القراءة في محاولة لفهم أي شيء :
" لا أعرف كيف أصف الأمر .. إنه شبيه بانتقال مؤلم عبر آلة الزمن .. هناك أشعر بأنه قادم خصيصاً لأجلي يمدني بالقوة وبأشياء أخرى ، يحيطني بسياج من نار فلا تجرؤ على الإقتراب ! "
" فقط من يخرج لا يعود .. ،، لكني سأعود ربما عندما هو يعود " !
" إن الأصدقاء في كل مكان لهم ذات عينيه المشقوقة طولياً .. هم الجندي المجهول في هذه المعركة غير المتكافئة " !
" إيهاب .. يذوب أمامي كل ليلة هل هناك طريقة لحفظة من الذوبان " !
ما هذا الكلام المبعثر ..، إما أنها جنت أو أنها كلمات على قدر كبير من الأهمية ..،
لكن كيف ستعرف ؟؟ ومن يملك لها القول الفصل ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
انصرف شادي من دون أن يكمل الدرس .. إن الأحمق راح يبكي ويصرخ ولا يبدو أنه في حالة نفسية تسمح باستكمال الشرح الدراسي
بينما أخذت الأستاذة صفية تفكر فيما قال : هل يكذب ؟؟
إن الأطفال بالفعل شياطين صغار .. هي تمتهن التدريس منذ سنوات طوال وصادفت الكثير من ألاعيب ومقالب الأطفال السخيفة !
صحيح أنها لا تسكن الشقة وتمضي فيها ساعات الدروس الخصوصية فقط ..، لكنها لا ترى فيها شيء غريب عن العادي في أي مكان آخر !
فجأة سمعت صوت شيء ما يتهشم بداخل المطبخ .. هرعت إلى هناك لتجد بعض الأكواب تهشمت بينما فأر يركض مذعوراً ليفر من خصاص النافذة
لا شيء يدعو للخوف
لكن هذا الوغد أثار فزعها حقاً !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
الليلة الأولى لنبيل في شقته كانت مرهقة بحق ..، انتهى من ترتيب حاجياته ونقل الأثاث كيفما اتفق ثم خلد إلى النوم ليستيقظ مساء على صوت خدشات على باب الشقة ..
فتحه ليجد ذلك القط الضخم الرمادي ينظر إليه باستعطاف
شيء ما في ملامح ذلك القط حث "نبيل" على حمله والعبث في شعره الناعم كأنما وجد صديقاً حميماً إنه عاشق للقطط .. وهي هواية مشتركة بينه وبين صديقه الراحل محروس ..،
اتجه للمطبخ وقام بصب بعض الحليب في وعاء صغير ثم قدمه للقط الذي تشممه قليلاً ثم شرع يلعق الحليب بلسانه
جلس نبيل على ركبتيه يراقب القط الذي أوشك على الإنتهاء من وجبته ويربت على رأسه ويدعب أذنيه وهو يتذكر محروس وأيام طفولته الأولى في هذا المكان
دقات على الباب ..
ترك القط يلعق شدقيه بعدما أنهى عشاؤه واتجه إلى الباب ..
إنها غادة .. إبنة صاحب العقار تحمل صينية كبيرة مغطاه وقد علت ملامحها الدقيقة حمرة الخجل
بحياء تخفض عينيها العسليتين الى الأرض وتقول : أبي يقول لابد أنك لم تجد الوقت لإعداد العشاء ويتمنى أن تقبل هذا العشاء البسيط (على أد ما قوسم )
ضحك نبيل وقال في محاولة لإزالة الحرج : أخشى أن أعتاد هذا التدليل ..! رائحة الطعام تدل عليه سلمت يدا من أعد ومن حمل
ارتبكت الفتاة وهمت بالصعود لولا أن استطرد نبيل باسماً : أبلغي الحج سلامي وقولي له أن العشاء جاء في وقته
نظرت غادة لعيني نبيل .. وشعرت بالدم يحتقن في خديها .. ثم تركته فجأه حيث هو وصعدت درجات السلم قفزاً
أغلق نبيل الباب ثم نزع الغطاء من الصينية وشرع يتذوق الطعام.. لو كانت هي من أعدته فهي ربة منزل متمكنة بحق ..
تذكر القط في المطبخ .. فحمل إليه قطعة من اللحم المقدد واتجه إليه..
هناك تصلب على الباب !!
إن وعاء الحليب مملوء على آخره كأنه لم يشرب منه القط أبداً !!
الأهم هي أرغفة الخبز الساخنة التي تراصت بجواره !!
كما أن القط قد اختفى تماماً !!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هناك رقم بلا اسم على جوال اسراء ..!
تعرف أنها تعيش قصة حب مع شاب يدعى إيهاب ..، إنها تقرأ مذكراتها سراً وتتابعها من حيث لا تشعر لا تحدت أم عن خصوصيات ابنتها خاصة لو كانت في مرحلة المراهقة !
ولكن هل هذا الرقم هو رقمه ؟؟
هل يمكن أن يساعدها فيما وصلت إليه الفتاة ؟
طلبت الرقم .. غير موجود بالخدمة !
كيف السبيل للوصول إلى هذا الشاب ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
درجات السلم من الطابق الرابع .. هل ترى معي ما أراه ؟؟!
ثمة سائل يتدفق منها إلى الطابق الثالث
يتجه بانسيابية إلى شقة أم عمرو المغلقة ..،
يزداد غزارة وانسيابية ...
من الغريب أنه لا يتجه لأسفل من ذلك .. كأنه يعرف وجهته تماماً ..
وهذه تحديداً هي وجهته !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
دق جرس المدرسة فتعالت صيحات الأطفال فرحين بانتهاء اليوم الدراسي ..
حمل شادي حقيبته وهم بالإنصراف .. ماكاد ليغادر الفصل حتى صادف الأستاذة صفية قادمة باتجاهه
- لا درس اليوم يا شادي .. لا داع لقدومك بعد المدرسة
كاد ليطير سعادة بهذا الخبر الجميل : حسناً سيدتي .. ربما في وقت لاحق
انصرف الفتى بينما عيني الأستاذه تتفحصه في اهتمام وهو يبتعد ..
عندما اقترب من بوابة الخروج وجد الأستاذة صفية هناك تتحدث مع زميلة لها وتضحك بصوت عالى !
غريب هذا كيف سبقته إلى البوابة ..
ما إن لمحته هناك حتى نادت عليه بصوت عالي .. : لا تنسى موعد الدرس اليوم يا شادي وإلا أخبرت والدتك عن تهربك المعتاد !
نظر إليها في دهشة .. ثم هز رأسه ومضى في طريقه
يبدو أن هذه المعلمة قد جنت تماماً ..!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
يتبع