أغلق باب غرفته وأطفأ الأنوار وأبقى على ضوء خافت للشموع ما يوحي بجو شاعري وأحضر بعض كتبه المفضلة وأوراق وأقلام ثم أشعل مدفأته وتجرد من كل ما يجول برأسه وتجرد أيضا من ملابسه وأستتر بغطاء خفيف يخفي عورته ثم صعد سريره وقد تأهب لمغامرة جديدة،فتلك طقوسه الدائمة التي يقوم بها كل ليلة ليجتذب بها بعض الفتيات أو النساء اللاتي يعشقن الطقوس الغرامية التي لم يمارسها بعض الرجال مع نسائهن والتي كما يتصورن أنه الحب المثالي الذي يرتضينه ممن أحببن ،ولأنه كان بارع في إجتذاب النساء بهذه الطريقة بالإضافة إلى موهبته في الشعر فقد إمتلك قلوب العذارى والمتزوجات قبل العازبات منهن ، فقلوب النساء في آذانهن وهي نقطة ضعفهن التي سهلت له مهمته للإيقاع بهن بإسم الحب ،فقد كان ينهال عليهن ببعض قصائده التي تؤسر قلوبهن وتجتذب قلوب الغاشمات في بحر الهوى والهُيام ،فقد أنشأ صفحة على شبكة التواصل الإجتماعي بحكم شهرته كشاعر موهوب ومعروف لتكون وسيلته في إصطياد بعض ضحاياه من خلال صفحته الشخصية ؛
فغالب الفتيات كانوا يقعن في عذب كلماته الأخاذة فيستسلمن لكلامه المعسول ويسلمنه كل ما يمتلكن دون مقاومة .
وفي إحدى الليالي وكعادته ألقى شباكه على صيد جديد ،يتمتع بها بطريقته الخاصة ويختارها بعناية لتشبع رغباته الجنسية،فالليلة أصاب إمرأة متزوجة لا تعرف عن التواصل الإجتماعي سوى نشر بعض الأذكار والأيات من باب أخذ الثواب وفقط ،فهذا النوع من النساء يجذبه لمعاندته ومثابرته أمام إغراءاته، فقليلا ما يرفضن بعضهن لطقوسه ،أما مع ذلك النوع من النساء يدخل عليهن بشئ من الصلاح والتقوى التي لا تشكك بخبث نواياه ، فبدأ ينسج خيوطه حول تلك المرأة وبعث لها أول رسالة تتضمن بعض الأذكار وفقط ،وهي تقرأ ولم ترد ثم يعاود تكرار الأمر على شكل مغاير وهي لم ترد ،ظل على هذا الحال لمدة شهرين رسائل أذكار وأيات وأحاديث وهي تقرا ولا ترد حتى كاد يفقد الأمل فتركها يومين لم يبعث برسالة كعادته ،فجاء دور الشيطان الذي أراد يكمل خطته الخبيثة للغرر بتلك المرأة فوسوس لها أن تسأل عنه وهو الرجل الصالح الذي لم يسئ إليها طوال شهرين ،فبعثت له برسالة :أين رسالة اليوم؟!
كتبتها ولم تزد ولكنها كانت شفرة لدخول بوابة الجحيم .
قرأ الرسالة ولم يرد إلا بعد يوم ليؤكد لها صلاح قلبه وأنه لم يتخذ من رسالتها مسلك للوصول لها ،فرد عليها برسالة فيها ما فيها من خبث النوايا قائلا : لماذا تسألين؟!
فقالت:لأن حضرتك لم تبعث برسالة منذ يومين كعادتك فأردت الإطمئنان.
قال مدعيا المرض: مرضت ولم أستطع الإرسال .
فقالت وقال وتبادلا الحديث وطال بينهم المقال .
ولم يقتصر الأمر بعدها برسائل الأذكار وفقط بل كانا يتبادلان السؤال على أحوالهم ويتقاسما الحديث في أمور حياتهما ،حتى أوقعها في شرك محبته فهامت به عشقا ،وهو يبيت لها في كل ليلة لتقع في شرك الرذيلة .
ولأن قلبها كان ذا حال مع الله ،فما أراد الله لها سوءا ولا أعان عليها نفسها الأمارة بالسوء ولا شياطين الإنس ؛
فكان الله يبعث لها برسائل وآيات تنذرها بشؤم هذه المعصية وأثرها ،فكانت تستجيب تارة وتتهاون تارة أخرى ويغلبها الهوى ،حتى ذلك اليوم الذي إتصلت فيه صديقتها المقربة تبكي بكاءا شديدا
-السلام عليكم
-عليكم السلام
-كيف حالك فاطمة
-أنا بخير الحمد لله أمنية،ما بك ؟! لماذا تبكين؟!
-لقد طلقني زوجي ولم أدر ماذا أفعل ؟ أنا أنهار وبيتي قد إنهار وحرمت أولادي ..دبريني ماذا أفعل ؟ أنا أموت قهرا..
هدأت من روعها قائلة:
-إهدأي أمنية وأحكي لي ماذا حدث؟وما سبب الإنفصال المفاجئ هذا؟.
قالت بصوت متهدج
-لقد وقعت في الخطيئة وأرتميت في أحضان رجل غريب بإسم الحب ،ولأن زوجي كان لا يجيد معاملتي ولا يغازلني فأسرني ذلك الرجل بعالمه الذي لم أعشه وأمتلك قلبي حتى أخذ مني ما أراد وتركني كأي إمرأة وقعت بين يديه، ولما عرف زوجي بالأمر قرر أن ينتقم لرجولته وطلقني وأخذ أطفالي ورماني خارج المنزل بمنتهى الإهانة والقسوة ،وطبعا لا ألومه على ذلك لأني أنا المخطئة في حقه وحق نفسي واولادي .
لما عرفت فاطمة تفاصيل المشكلة صدمت وأنهمرت الدموع من عينيها على صديقتها ثم على حالها ،وكأن كلام صديقتها صفعة صكت وجهها .
أنهت الحديث مع صديقتها ،وجففت دمعها وحدثت نفسها بما جرى وإلى أي مآل ستؤل إليه ؟ هل تنساق وراء قلبها ونذوته في الهوى؟ ام تترك قدمها تذل في نفس الهاوية؟.
بعد تفكير طويل قررت الإبتعاد مخافة الله ومخافة نفس المصير التي لاقته صديقتها .
إمتنعت عن مراسلته فترة حتى كاد يطيش عقله ،وكيف لا وهو الذي إستدرجها حتى أوشك على الوصول إليها ؟ لماذا انقطعت عنه هذه المدة؟..
فهو لا يعرف الإستسلام ولا الهزيمة يعيش بلا قلب ينبض بالحياة بل كالميت جسد بلا روح يقتات على علاقات محرمة ،فقد ماتت نفسه اللوامة التي تبعده عن الخطيئة ،لذا لم يتوان في الإقاع بها حتى لو ٱضطر للبكاء والتضرع لها ليرق قلبها .
كل يوم يبعث برسالة وأثنين ولأن قلبها متعلق فلم تحظره من قائمة الأصدقاء كذلك سولت لها نفسها ،حتى زاد إلحاحه وأستجابت لإحدى رسائله شوقا له ،وتراجعت عن قرارها أمام ضعف قلبها وتعلقه وتلك الدموع المصطنعة التي هزت قلبها وزاد خفقانه لها ،وإتفقا على العودة لعهد الهوى من جديد ،حتى جاء يوم الإقاع بها الذي خطط له منذ شهور .
نصب شركه وأعد طقوسه الغرامية ليستمتع بأمسية معها على ضوء الشموع عبر أثير موقعه الإلكتروني ،واتصل بها وما لبث أن يصرح بما يريد حتى إنقطع الإتصال من هاتفه؛
إنتظرت ليعيد الإتصال ولم يعد ،فأتصلت هي ولم يرد ،غضبت وأغلقت الهاتف ومر يوم تلو الأخر حتى أمسى إسبوع ولم يتصل بها ،وهي لم تحاول فقد إنتصرت لكبريائها وأقتصرت حتى يطلبها هو .
إستيقظت في يوم وهي بحالة سيئة أثرت على بيتها وأولادها وزوجها ،وتهاونت وقصرت في حقوقهم .
وبعد أن صلّت ،فتحت الهاتف علها تجد رسالة منه ،ولكنها وجدت ما هو أصعب ،خبر تتداوله كل المواقع بموت أحد الشعراء في بيته منذ أسبوع ولم يعرف أحد حتى أشتكى الجيران من رائحة كريهة تخرج من شقته ،ولما دخلوا عليه وجدوا جثته قد تعفنت وهو متجرد من ملابسه .
حين قرأت الخبر وعرفت من هو فغر فمها من فاجعة الخبر وهوله ،أغرورقت عينها بالدموع تهدج صوتها بالنحيب ثم وضعت يدها على وجهها وهي تبكي قائلة :
الحمد لله ...الحمد لله
تم بحمد الله