الساعة الثامنة صباحا، مازال منكبًا على مكتبة يطالع باقي أوراق هذه القضية التي تشعبت، والكل يدلوا بدلوه وشهود العيان والناجين وبعض ممن تم القبض عليهم من المسلحين، يسطرون عن الحدث ما لم تتوقعه قلوب البشر، بل لم تتوقعه الأبالسة في قعر الجحيم من وحشية حادثة لم ينساها التاريخ ولم تنساها قلوب العراقيين مهما طال الزمن أو قصر -سبايكر- كان يقرأ والعبرات تجري بمآقيه، فشاهد العيان من أحد الجنود الناجيين يروي :
كنت أنا وباقي دفعتي من طلبة كلية الدفاع العسكرية العراقية ننتظر أوامر قادتنا بالتصدي للدواعش الذين دخلوا البلاد وقتها، ولكن لم نجد أي من قادتنا وٱضطررنا إلى ترك القاعدة ونحن عزل دون سلاح، وحين تجاوزنا الخمسة كيلو مترات هجم علينا بعض المسلحين من الدواعش، لم نتوقع أنهم ينون قتلنا، خاصة وأننا لم نهاجمهم ولا نقاومهم، وحدث ما لم يتوقعه أحد...
قرأ كلام الجندي وقد فغر فمه من هذه التصريحات، كيف أنهم خرجوا دون سلاح وتركهم بعض القادة دون توجيههم لما يتسنى فعله حيال اي هجوم ؛
أمسك بورقة أخرى فقفهر وجهه من الغيظ وجز على نواجذه حين قرأ بها إعتراف لبعض ممن نفذ العملية من الدواعش، بدأ يقرأ في غيظ، مطبق على شفتيه:
كنت في غرب العراق حين جاءتني الأوامر بإقتحام بعض العشائر(البونمر-البوجر) العراقية بمنطقة صلاح الدين، حينها سمعت أحد القادة يتكلم بحدة وصوت مرتفع يجمع كل المسلحين المرتزقة حوله، يحرضهم على قتال كل من رأوه من البشر وبخاصة من جنود الجيش والشرطة، حتى يزرعوا في قلوب كل من سولت له نفسه بالأقتراب من مخططاتهم في الاستيلاء على كل مكان بالعراق وغيرها من البلدان لتكوين دولتهم المزعومة، كان يتكلم وتنتفخ عروقه في قوة وحدة، الكل ينظر له وكأن على رؤوسهم الطير، يتشربون كلماته ويتجرعونها جهلا وضلالا ووحشية، أنهى كلماته المحرضة بالتكبير، وٱنصرف الكل.
حين دخلنا الحي وقمنا بالاستيلاء عليه دون مواجهة ومقاومة من أحد ولم نجد جنودا بالموقع، وعلى بعد خمس كيلو مترات وجدنا قرابة ألفي جندي بغير سلاح قد أخلوا موقعهم بالمعسكر، فتوجهنا نحوهم وٱستدرجناهم بأمر من القائد وكبلناهم من خلف وقدناهم إلى حيث مصيرهم الذي قرره أحد قادة الدواعش دون رحمة ولا شفقة....
توقف للحظات وقد إنتابه الحزن وٱعتصر قلبه ألما حين قرأ بورقة أخرى وصف الجندي ما حدث لزملائة الجنود :
كبلونا من خلف وقادونا للإمام ولا نعرف ما ينون فعله معنا، ولكن كل ما أذكره نظرة زملائي التي كانت تظهر كل الرعب والخوف على محياهم، كنت أسمع نبض قلوبهم كقرع طبول الحرب، أسمع صرير فكوكهم، والقلوب جميعها صعدت إلى الحناجر من الرهبة وكذلك كنت، وأوصالي تتخبط وقدماي ترتعد، وبدأت قواي تخور، والتساؤلات تجول برأسي، لى أي مآل ستؤل إليه الأمور،لم تمض ثوان معدودة حتى سمعت صوت دوي الطلقات تتوجه صوب بعض منا،وأخرون يقودوهم إلى حفرعميقة قد تم حفرها لدفن البعض بها أحياء، وعلى جانب أخر يذبحون ويقطعون رؤوس البعض دون رحمة أو شفقة، علا صوتي وقتها من النحيب والبكاء ألما وحسرة على أقراني، ولكن أي دموع تستجدي تلك القلوب القاسية، بل إن القسوة لا تصف جلمود تلك الحجارة وإن من الحجارة ليتشقق، أما هؤلاء فقد دفنوا قلوبهم مع كل قطرة دم يزهقوها بحق الأبرياء، فوجئت أنهم يفكون قيودي ويتركون صراحي انا وبعض نفر، حينها ركضت ركضت كثيرا وأنا أنظر خلفي في هلع وخوف وأسى على ما أرى من هذه المجزرة الدموية البشرية، وبعدها عرفت أنهم ينتقون البعض منا ليوصلوا رسالة إلى العالم بما حدث، وأن ما صنعوه كانت فقط البداية، ولا يتوقع أحد كيف ستكون النهاية.
أطبق المحقق تلك الورقة وهو متقد قلبه نارا يريد أن يحرق بها هؤلاء الدواعش، يريد أن يقتلع جذورهم من الأرض ومن على شاكلتهم، ورُغم ما أهمه مما قرأ إلا أنه قد إستنفذ كل طاقته بعد عمل يوم كامل من مساء أمس حتى الساعات الأولى من الصباح، أغلق الأوراق أمامه، وعزم أنه لا يتوانى في جلب حقوق تلك الجنود الأبرياء وكل من راح ضحية تلك الشرذمة من الدمويين .