كان عام ١٩٦٩ عاما مليئا بالأحداث التي تبعث على الفخر والمجد لقواتنا وفي نفس الوقت أحداثها مؤلمه عن أبطال قدموا أرواحهم طواعيه لوطنهم.....
فلقد كانت الاشتباكات مع العدو يوميه وتستمر لمدد طويله قد تصل إلى عشره ساعات وايضا قد يحدث اشتباكات مرتين وثلاثه في اليوم الواحد معظمها مدبر من ناحيه قواتنا فلقد كان التوجيه العام ان نجعل العدو دائما يقف على أطراف اصابعه وعلى صفيح ساخن وايضا كان العدو يبادلنا هذه الاشتباكات متخليا عن شرف القتال... اي نعم هناك مايسمى شرف للقتال فلا يصح ان نقصف مستشفيات بها مرضى او مدارس فيها أطفال او مصانع ادويه او سدود للدوله التي نحاربها او مواصلات عامه يستقلها مدنيين ولكن عدونا لم يلتزم على الإطلاق بهذه المعايير الدوليه وكانت هناك ثلاثه مواقع على الجبهه لا يخلوا يوما من أخبارهم وما يتم بهم الموقع الأول هو الموقع الحصين بعيون موسى فلقد وضع فيه العدو مدافع من العيار الثقيل كان تطول مدينه السويس او منطقه الزيتيات والتي بها المستودعات الرئيسيه للبترول والموقع الثاني هو موقع المعديه رقم ٦ والذي كانت تحتله كتيبتي لاهميته الاستراتيجيه على مستوى الدوله ففيه الطريق الأوسط لسيناء وهو الطريق الوحيد في سيناء الذي يصل إلى الحدود الدوليه بدون عوائق في حاله الهجوم من طرفنا وهو أسهل طريق للعدو للوصول إلى الدلتا او الي القاهره في حاله هجومه علينا ولعل ذلك يفسر سبب اختياره من العدو لعمل الثغره في البدايه اثناء حرب ٧٣ ولكنه فشل فشلا ذريعا في ذلك والموقع الثالث كان في منطقه الكاب والتينه شمال مدينه القنطره غرب وكانت تحتله احد سرايا الصاعقه الباسله فهو كان على حافه قناه السويس ولكن منسوبه اقل من مستوى سطح الأرض بكثير وارضه ملحيه وخلفه طريق الاسماعيليه/بور سعيد وخلف الطريق أطراف بحيره المنزله والتي منسوبهما أعلى من الموقع بكثير فكان العدو يكثف القصف على الطريق الاسفلت لاحداث ثغره به لتندفع مياه البحيره الي موقع هؤلاء البواسل وتغرق كل شيئ فيه من اسلحه وذخائر وتصل المياه حتى صدور الأفراد ولكنهم بعناد وإصرار شديد وبروح قتاليه باسله كانوا يسدون هذه الثغرات وينزحون المياه من مواقعهم وفي نفس الليله يقومون بالهجوم على مواقع العدو في عمليات خاصه وسريعه تكبدهم خسائر في الارواح كثيره فالخسائر في الارواح هذه هي البعبع للعدو دائما........ أما بالنسبه لكتيبتي فلقد حدث خلال هذا العام مواقف كثيره سأذكر بعضها بأختصار شديد تجنبا من شعوركم بالملل من رغيي الشديد.....
الموقف الاول:
في صيف هذا العام وصلت الكتيبه نشره معلومات عن العدو من المخابرات الحربيه رأي قائد كتيبتي الحبيب المقدم / سمير الحملاوي انها مهمه يجب شرحها للضباط الرئيسي للكتيبه ثم يقومون هم بشرحها لضباطهم وكلف الملازم اول/ محمد قشقوش ضابط استطلاع الكتيبه بعمل محاضره لهذه النشره وحدد مكانها في الدور الرابع من مستشفى هيئه قناه السويس الجديده والتي كانت تحت الإنشاء أيامها وتوقف العمل بها بعد هزيمه ٦٧ وكانت هذه المستشفى تقع على حافه القناه مباشره وانتهى العمل بالواجهه لها ولكن بالداخل كانت عباره عن هيكل خرساني وغرف وسلم بدون درابزين ونظرا لارتفاعها كانت بها نقاط ملاحظه ومراقبه كثيره من مختلف الوحدات لمراقبه تحركات العدو خلف الساتر الرملي الذي قام بعمله....
وكنت اشغل في هذا التوقيت قائد سريه الرشاشات المتوسطه الثقيله وفي نفس الوقت ضابط رمايه الكتيبه...ومكاني في قياده الكتيبه وفي الميعاد المحدد لهذه المحاضره اصطحبني قائد كتيبتي انا والملازم اول / احمد المليجي ضابط اشاره الكتيبه الي مكان المحاضره وكان الملازم اول محمد قشقوش قد انشأ تخته رمل (ماكيت) لمواقع العدو أمام الكتيبه للشرح عليها وبدأت المحاضره والتي خلالها شعر العدو بحركه غريبه بداخل المكان الذي كنا به فبدأ القصف اولا على مخارج المستشفى بكثافه لمنع مغادره احد حيا منها ثم ركز القصف على مبنى المستشفى ذاته وفي منتصف القصف أمرني القائد انا وزميلي احمد المليجي بمغادره المستشفي والذهاب بسرعه الي غرفه العمليات بقياده الكتيبه لان لايوجد بها احد والتي كانت تبعد عن المستشفى حوالي ٨٠٠ متر ومكالمته تليفونيا من هناك وكذا إبلاغ ضابط منوب اللواء بهذا القصف للرد عليه بواسطه مدفعيه اللواء فهرعت انا واحمد المليجي بالنزول على السلم الذي بدون درابزين وفي الظلام الدامس حتى وصلنا إلى بوابه المستشفى والذي كان القصف عليها شديدا وبستر ربنا وفضله علينا استطعنا الوصول إلى قياده الكتيبه في معسكر شوقي خلاف بعدما استخدمنا انا واحمد المليجي كل فنون استخدام الأرض التي تعلمناه من هروله وجرى وزحف وطلقات هذا القصف المعادي تنهمر علينا وحولنا من جميع الاتجاهات ونفذنا ما طلب منا واشهد ان مسافه ال٨٠٠ متر هذه كانت أطول مسافه تخيلتها في حياتي........ وفي السادسه من صباح اليوم التالي قامت مدفعيتنا بقصف مواقع العدو قصفا لا يحتمله بشر مما أدى إلى تدمير حوالي اكثر من ٨٠٪ من مواقعها وتكبيده خسائر شديده في الحته ومعداته
والصوره المرفقه تبين اثار هذا القصف علي المستشفى....
انتظروني بهمه وشموخ