كان المشهد الذي رأيته على هذه التبه مشهدا رهيبا وفي غايه الدمويه تهتز له الأعصاب ومن ليس يملك اتزان النفس يمكن له ان ينهار ولكن الله عز وجل اسبل على كرمه وثبتني فيما رأيت ووقفت اسأل نفسي أين باقي جنود هذه السريه المنكوبه ايمكن ان يكونوا فروا من دمويه المشهد مع كثافه قصف الطيران عليهم ام يكون قد صدر لهم امر انسحاب!!!! ومن الذي اصدره لهم..!!!!! كل هذه الاسئله دارت في ذهني ولم استطيع الوصول إلى اجابه عليها حتى الآن...
رجعت بسرعه قياده كتيبتي وأثناء رجوعي نبهت على الجنود اللذين كانوا يصاحبوني بعدم الحديث مع زملائهم من جنود السريه عما شاهدوه المهم قابلت قائدي العظيم وابلغته بما رأيت وإنني لم أجد اي أثر لأي جنود أحياء في موقع هذه السريه المنكوبه فبان القلق على وجهه وامرني بسرعه العوده الى موقع سريتي وتجهيز فصيله مشاه لدفعها لتغطيه الفاصل الذي نشأ بيننا وبين الجار اليمين لنا فرجعت وكلفت فصيله الملازم عبد الحميد احمد حسن بذلك ودعمته باربعه من افضل اطقم اقتناص دبابات بالسريه ولقنته بالمهمه وأثناء تلقيني له اتصل بي القائد يطلب مني أن يمر عليه قائد الفصيله لاعاده تلقينه بنفسه فارسلته له ومعه فصيلته....
وفي أثناء كل هذا نجحت ثلاثه دبابات معايه في التسلل الي هذه التبه الملعونه واحتلت مواقع لها عليها وبدأت تهدد جانب كتيبتي وتطلق نيران ازعاج عليها وزادت مهمه فصيله الملازم عبد الحميد تعقيدا وخطوره.....!!!!!!
بعد ذهاب فصيله عبد الحميد بحوالي نصف ساعه هاجمني واكلني الخوف على مصير جنودي فذهبت الي قائدي العظيم مصطحبا معي جماعه مشاه من فصيله الملازم شوقي وثلاثه اطقم اقتناص دبابات والجندي محمد رمضان أيوب القناص الخاص بي علاوه على حمله النقالات بالسريه وقابلت قائدي العظيم وطلبت منه أن اصاحب فصيله الملازم عبد الحميد في تنفيذ مهمته وكانت لي أسبابي في ذلك شرحتها للقائد وهي باختصار انني اثق تمام الثقه في الملازم عبد الحميد لتنفيذ هذه المهمه ولكن في وجود ثلاثه دبابات على التبه يزيد من صعوبه مهمته والأمر الثاني ان جنود سريتي تعودوا ان يروني بجانبهم وفي وسطهم أثناء تنفيذ المهام السابقه فأذا لم اذهب معهم ربما يتأثروا بذلك علاوه على عدم خبره الملازم عبد الحميد في التصرف حيال المواقف الطارئه التي يمكن أن تحدث له فوافق على ذهابي مع اخذ كل الحيطه والحذر سواءا أثناء التحرك او أثناء التعامل مع الدبابات فطمئنته وتحركت في اتجاه هذه التبه.... وكان الملازم عبد الحميد قد وصل قبلي ووجدته متوقفا أسفل التبه وبمجرد ما أن لمحني حتى أبلغني بأستشهاد جنديان من جنوده تعرضا لطلقات مباشره من الدبابات المعديه الموجوده أعلى التبه....!!!!!!!!!
انتحيت به جانبا وعنفته بشده لان هجومه على الدبابات كان بالمواجهه لان مقدمه الدبابه تدريعها يصل إلى ٤٠سم من الصلب ولا يوجد لدينا سلاح يمكن أن يؤثر فيها وكان يجب عليه اولا ان يشتت انتباه هذه الدبابات في أكثر من اتجاه علاوه على المهاجمه من احد الاجناب او من الخلف....
المهم امرته بالالتفاف من الجانب الأيمن للتبه بجماعتين من الفصيله وترك الجماعه الثالثه معي فنفذ على الفور ومضيت انا بالجماعه الثالثه للفصيله علاوه على الجماعه التي كانت مصاحبه لي والتي كان قائدها العريف رجب محمد مصطفى وتقدمت في اتجاه الدبابات المعاديه والتي كانت على مسافه حوالي ٥٠٠ متر مني وبالصدفه كان يسير على يساري الجندي محمد رمضان أيوب قناصي الخاص والسابق تعريفه لكم وعلى يميني العريف رجب محمد مصطفى....
وقفه صغيره لها تكمله فيما بعد....
العريف رجب محمد مصطفى من مركز طما محافظه سوهاج تجنيد يناير عام ١٩٧٢ متوسط الطول وجسمه من النوع المتين والقوي ويحمل على شفته العليا شارب ضخم وعندما وصل السريه وأثناء عرض المستجدين وجدته منكسرا فأمرت مساعد السريه الصول محمد حامد ناصف بعرضه على منفردا وعندما دخل ملجئي ووقف أمامي دارت هذه المحادثه...
انا: اسمك ايه ومهنتك قبل التجنيد
هو: جندي رجب محمد مصطفى يافندم وبشتغل مرمطون...!!!!!
انا: بتقول ايه...؟؟ بتشتغل ايه؟؟
هو: مرمطون يافندم في محل فول وطعميه بشارع احمد حلمي بقدم الطلبات للزباين واكنس المحل وامسحه وبعدين بنام فيه لان ماليش حد في الدنيا.
انا: اوعي اسمعك بتقول مرمطون دي تاني لأحسن اقطع لسانك انت هنا زيي زيك بالظبط وكرامتك من كرامتي فاهم ولا افهمك بطريقه تانيه
هو: فاهم يافندم
انا: احكيلي حكايتك ايه
هو: يافندم انا ابويا وامي متوفين واحنا اتنين انا واخويا أصغر مني ومالناش اهل فجيت مصر ادور على لقمه العيش ليا ومعايا اخويا هو اشتغل تباع على عربيه نقل وانا اشتغلت في محل الفول ده
انا: طيب انت هنا تعتبرني اخوك الكبير ولو عزت اي حاجه اطلبها مني..... فاهم
هو: فاهم يافندم
راقبته لمده ثلاثه شهور كامله فوجدته مطيعا ومنضبطا لآخر الحدود ومتعاون مع زملائه ولكن مازال لديه هذا الانكسار الناتج من الفقر فأردت ان ارده لنفسه فذهبت الي قائدي العظيم ذلك الرجل الشهم الكريم وطلبت منه ترقيه هذا الجندي الي رتبه العريف فوافق على الفور وعدت الي السريه وابلغت الجندي رجب محمد مصطفى بترقيته الي رتبه العريف واسناد قياده جماعه مشاه من الفصيله الأولى له وهذه الجماعه من فصيله الملازم شوقي عبد المنعم...... واشهد انه تغير بهذه الترقيه تغيرا كاملا وظهرت مواهبه في قياده جنوده وحقق معهم معادله صعبه جدا في القياده وهي باختصار انهم يهابونه جدا لدرجه الخوف من غضبه وفي نفس الوقت يحبونه جدا جدا جدا لدرجه العشق واعتمدت عليه في كثير من المهام قبل الحرب ونفذها باحتراف كبير...... (انتهت الوقفه ولها تكمله جميله جدا في نهايه الأحداث)
انتظروني بترقب وشوق
المجد لجيش مصر.... وتحيا مصر الوطن....