وتلاقت الارواح بين والدي ومحمد غراب فعندما عاد والدي من جولته ورجع الي محل السيده زينب وجد محمد غراب في انتظاره وجلسا جلسه طويله كانت نهايتها ان وافق والدي على تعينه قومسونجي له....!!!!!
ملحوظه:
مهمه القومسيونجي هي أن يأخذ عينات من الأصناف المختلفه التي يبيعها التاجر ويقوم بالمرور على التجار الصغار لهذه الاصناف ويقوم بأخذ طلباتهم منها ومعها نسبه من اثمانها كمقدم ثم يعود لتجهيز هذه الطلبات ويعود لهم بها ويحصل منهم باقي الأثمان لها....(انتهت الملحوظه)
واتفق محمد غراب على النسبه التي يحصلها من اثمان الأصناف التي تم بيعها علاوه على تكاليف تنقلاته واقامته خلال جولاته في مديريات مصر والتي يمكن الذهاب إليها وكان من بروتوكولات هذه الاتفاقات ان يقوم القومسيونجي بكتابه كمبياله على نفسه بقيمه البضائع التي يقوم بأستلامها ولكن والدي رفض ذلك قائلا له انا بيني وبينك ربنا وهو المحاسب....
ومضى محمد غراب في العمل مع والدي في هذه الوظيفه ويحكي لي والدي انه كان امينا وشريفا ومحافظا على أموال والدي وكان والدي دائما يمنحه مكافأت لهمته ونشاطه الملحوظ وأمانته وحكي لي والدي أيضا عن مواقف له بأنه عندما كان محمد غراب يسافر الي احد المديريات لتوصيل بضاعه ويحصل اثمانها كان ولابد ان يسلمها لوالدى مهما تأخر به الوقت في العوده قبل الذهاب لمنزله حتى أنه في احد المرات حضر لوالدى في الساعه الثانيه صباحا وظل يرن جرس باب شقه والدي الذي استيقظ منزعجا ونبهه عليه أن لا يكرر ذلك مره اخرى ولكن هيهات ان يستجيب لكلام والدي....
ومرت الايام وزادت الثقه بينهما وفي نفس الوقت تحسن دخل محمد غراب كثيرا لان والدي كان كريما وسخيا معه وظل يعمل مع والدي سنين طويله وحدث فيها احداث اجتماعيه كثيره منها وفاه زوجته بمرض مجهول ثم هروب ابنه الوحيد الي هولندا وزواجه من سيده سنها اكبر من ضعف عمره مرتين فلقد كان الولد ذو سبعه عشر عاما اما التي تزوجها فلقد كان عمرها ٥٤ سنه والغريب انه انجب منها تؤام ثم اختفت اخباره لايعلم عنه شيئا وان اخر خطاب استلمه منه هو الذي أبلغه فيه بأنه انجب هذا التوأم وبعدها مر محمد غراب بحاله زهد في الدنيا حاول والدي ان يخرجه منها وان يغرقه في العمل ونجحت الي حد ما ولكنه ظل هناك حزن مدفون بداخله لا يستطيع احد من البشر نزعه منه..... وتمر الايام على هذه العلاقه النظيف والشريفه بينه وبين والدي ثم
وانا في السنه الثانيه الثانويه عام ٦٢/٦١ وفي أحد مرات ذهابي الي محل والدي رأيت محمد غراب لأول مره وعرفني عليه والدي ثم باغتني بقوله ان محمد غراب سوف يساعدني في اللغه الانجليزيه فصمت لحين مغادرته وقلت لوالدى انني غير محتاج مساعده من احد وخاصه ان مدرسي الاستاذ شحاته المدرس بمدرسه الابراهيميه يقوم معنا بالشرح الوافي وإنني لا أريده ان يساعدني ولكن والدي أصر وحدد يومي السبت والثلاثاء ميعادا لتلك المساعده بالدور العلوي بمحل والدي بعد انتهاء اليوم الدراسي وفي اول يوم عقد محمد غراب امتحان لي أجبت فيه إجابات مثاليه فما كان منه أن قال لوالدى انني غير محتاج لهذه المساعده فصرف والدي النظر عن تلك المساعده.....ولكن لم تنقطع صلتي به فلقد كانت الجلسه معه في منتهى الامتاع والافاده لي من خلال المواقف التي تعرض لها وشقاوته في شبابه
وكلما مرت الايام كانت صلتي بمحمد غراب تزداد وتتوثق اكثر وكان كل موضوع يحكيه بكامل تفاصيله ودقائقه وفي نهايته ينهيه بنكته او قفشه او موقف كوميدي خاص بالموقف ودامت هذه العلاقه حتى دخلت الكليه الحربيه ثم تخرجت منها ثم ذهبت إلى جبهه القتال وتباعدت هذه الجلسات الممتعه لي والتي كنت انهل منها خبرات حياه من الصعب أن توافر لاحد ومن واحد داست عليه الحياه والظروف بكلتا قدميها وهرسته حتى ساوت به الأرض...... اي نعم تباعدت هذه المقابلات معه ولكن عند لقاؤه كانت البهجه والفرحه والسرور هم ساده هذا اللقاء..
في عام ١٩٨٠ استأذن والدي في التقاعد نظرا لكبر سنه فوافق والدي ومنحه مبلغا محترما ليواجه به الحياه وحثني والدي على عدم قطع صلتي به وان ازوره بين الحين والآخر ونفذت ذلك بمنتهى الإخلاص والوفاء الي ان توفي في عام ١٩٨٤ وكان عمره ٧٠ سنه....
رحمك الله وغفر لك ياسيدي واثابك عما نالك من الدنيا من صعوبات فربما عوضك الله عما قاسيته فيها ولعل الله عز وجل قد اختزن لك كل ماهو يعوضك عنها.... ياراجل ياطيب
(انتهت)