في احد ايام صيف عام ١٩٦٤ وقبل دخولي الكليه الحربيه مباشره كنت موجودا بمحل والدي واستمر وجودي به حتى انتهاء العمل وغلق المحل وسرت مع والدي في اتجاه منزلنا القريب من المحل وعند وصولنا بالقرب من عم علي الله وجدت والدي يخرج شيئا من جيب جاكت البدله التي يرتديها ويدس به في يد عم علي الله ثم استكمل سيره بدون اي كلمه بينهما فدفعني الفضول لمعرفه ماذا اعطي والدي لعم على الله سألته عن ذلك فتردد لبرهه ثم قال.....
انا ياابني مابحبش اتكلم عن اللي بعمله ولكن علشان انت ابني هاقولك وفي نفس الوقت اعتبره نصيحه.... عم علي الله ده رجل بتاع خير وبيخصص جزء من اللي بيعمله من لحمه الراس يوميا ويطلعه لله علاوه على كل اللي بيتبقي من اللحمه بيعمله ساندويتشات ويلفها كويس ويديها لبنته توزعها على الناس الفقراء حول مسجد السيده زينب قبل مايروح....فأنا حبيت اشاركه في هذا الثواب فكل يوم اديله جزء صغير من ايراد المحل مساعدته في هذا الأمر... ونصيحتي ليك انك لما تكبر ويبقى ليك مرتب خصص منه جزء تطلعه لله مهما كان هذا الجزء صغير وبشرط تحرى هذه الصدقه انها تروح لمن يستحقها كما اوصانا رسول الله بذلك حين قال تحروا الصدقه. وهاتشوف ربنا هايكرمك ازاي..... أعجبني الكلام وتوطن بداخلي حتى دخلت الكليه الحربيه وتخرجت منها واصبحت املك مرتب ويشهد الله انني عملت ومازلت اعمل حتى وانا المعاش بنصيحه والدي وما كان يفعله عم علي الله ليس هذا فحسب ولكن عندما تزوجت وانجبت ابني وبنتي كنت اصطحبهما وهم صغار واسير بهم في الحواري والازقه واجعلهم يرون بأعينهم الفقراء والمساكين اللذين يسكنون في هذه الحواري والازقه وفي بعض الأحيان اعطي ابني او بنتي الصدقه التي اخرجها تعطيها بيدها اوبيده للفقير الذي يستحق ذلك وانا اقف بالقرب منه او منها وكان هدفي من اصطحابهم في هذه الجوله شيئين الأول أن أوطن بداخلهم الرفق والرحمه للمساكين والفقراء والثاني ان يروا بأعينهم طيب العيش الذي يعيشونه ويقارنون بينه وبين معيشه الفقراء.....!!!!!!
واحمد الله عز وجل أنهما ورثا هذا الرفق وهذه الرحمه وعلمت بالصدفه وبطريقه غير مباشره ان ابني أكرمه الله يخصص جزء من مرتبه لذلك الأمر.... وكان فضل الله علي عظيما وطوال حياتي الطويله اسبل الله عز وجل عليها الستر الجميل.....
بعد يومين من
هذه النصيحه الغاليه من والدي لي كنت أيضا متواجدا في محل والدي واخذني الشوق واقتحام المجهول الي اكل لحمه الرأس من عم علي الله ولم أكن قد اكلتها من قبل فهمست في اذن والدي بهذه الرغبه فرد على ضاحكا وقال وانت هاتقدر عليها فقلت له هاجربها... فأمر احد العمال بتجهيز كيس من زهره الغسيل ولفه جيدا في ورقه وفعلا نفذ العامل أوامر والدي الذي أعطاني اياه وكذا ربع جنيه وقال لي اديهم لعم على الله وقوله انك عايز رغيف مخصوص أخذتهم وذهبت له وبمجرد رؤيته لكيس زهره الغسيل قال انت ابن الحاج رضوان فأجبت عليه ايوه فقال لي ابوك ده سيدي وانا خدامه وسيد السيده زينب كلها ومعرفته تاج على رأس اي واحد يعرفه وفضله عليا كبير عايز ايه فقلت له عايز رغيف مخصوص واعطيته الربع جنيه فرفض في البدايه ولكني اصررت على ذلك وقال روح انت المحل وانا اجيبه بنفسي ليك فرفضت وقلت له عايز اتفرج عليك وانت بتعمله. فقال تشرفني ياابني ووقفت اشاهده وهو ينتقي افضل قطع من لحمه الرأس وقطعها الساطور وضعها في رغيف العيش وكنت انا اراقبه واراقب ابنته كذلك ياالله على مارأيت.....
( انتظروني على بوابه جهنم)
هاهاهاهاهاهاهاهاهاهاي ????
ملحوظه:
زهره الغسيل عباره عن مسحوق لونه ازرق زهري شديد التركيز يستخدمه النقاشين في تلوين البويه او في تركيب الألوان ولكن بحساب شديد لان تركيزه عالي جدا وكانت امهاتنا يستخدمونه في شطف الغسيل الأبيض والذي يجعله شاهق البياض.