وقفت أمام عم علي الله اراقبه وهو يصنع لي الرغيف المخصص من لحمه الرأس وكذلك كنت اراقب ابنته والتي كانت هي الأخرى تقف بجواره على صينيتها تصنع رغيف لاحد الزبائن ودققت النظر فيها بعيون شاب في عمره ١٧ سنه وفي سن المراهقه ولم أكن قد رأيتها من قبل من هذا القرب ويالله... يالله على مارأيت... كانت ترتدي جلابيه رجالي بياقه وتحت هذه الجلابية صيديري رجالي وفتحه الجلباب مفتوحه وتلف رأسها بشال حريري لونه ابيض مشرب باللون الرمادي وذو شراشيب من نهاياته.... كان وجهها ابيض منور ونوره يطغى على نور عمود النور الواقع خلفها ثم رموش حاده كالسيف تجرح اي عين تشاهدهما وذو شعر منسق طبيعي وكيف ثم عينان واسعان شديدي البياض السواد مثل عيون البقر ومكتحلتان بكحل رباني يزيدان من جمالها ثم أنف صغير قيصري يرتفع من نهايته في شموخ المنتصر على هذا الجمال وفم صغير ومكتنز قليلا مثل حبه الكريز يغطيه شفتان رقيقتان تفضحه وبداخل هذا الفم أسنان صغيره متراصه بدقه شديده مثل حبات اللوءلوء ثم نهدان نافران بالرغم من ضيق الملابس عليهما الا أنهما مصران على الهروب من هذه الملابس والانطلاق الي البراح اللانهائي ... كانت كلها على بعضها قطعه من جمال رباني ابدع الخالق العظيم في خلقه.....
كنت أشعر انها تنظر لي هي الاخري بس من تحت لتحت وبعد انتهائها من صنع رغيف الزبون وفجأه لوحت بالساطور في وجهي ودارت هذه المحادثه الشرسه بيننا....
هي: انت عمال تبحلق فيا ليه كده يافندي انت
انا: انتي بترفعي الساطور في وشي يابت نزلي الساطور ده لحسن اكسر دماغك وابيعه على الصينيه ده
هي: بت لما تبتك اتكلم عدل معايا... الحق يابا الواد ده عمال يبحلق فيا من ساعه ماوقف وعايز يعاكسني
عم علي الله: اخرسي يابت ده ابن الحاج رضوان
انا: معلش ياعم علي الله سيبها على راحتها
هي: ياحوستي انت ابن الحاج رضوان بجد معلش حقك عليا انا كنت فاكره انك عايز تعاكسني
انا: حصل خير بس بصراحه بالرغم من جمالك انتي شرسه جدا
هي: ماقلتلك حقك عليا خلاص
عم علي الله: معلش يابني حقك عليا انا متزعلش منها اصل لسانها متبري منها..
انا: ماحصلش حاجه ياعم علي الله انا مش زعلان
عم علي الله: انا قربت اخلص روح انت محل الوالد وانا هاجيب ليك الرغيف بنفسي ومعلش مره تانيه حقك عليا
هي: ماخلاص يابا هو انت هاتتحايل عليه
عم علي الله: اخرسي يابنت الكلب وحطي لسانك جوه بقك لحسن اقطعهولك
والحقيقه انه بالرغم من شراسه هذه المحادثه الا انني كنت سعيدا بها لأنها كشفت عن حقيقه غائبه عن الجميع وهي ان الجمال ليس شرطا لأي فتاه او سيده بل مكمل له الأخلاق اي نعم انها تصارع الحياه في اكل العيش وتتعرض كثيرا لمعاكسات الدهماء فرأت من وجهه نظرها ان الشراسه هي الحل لمواجهتها...
المهم رجعت إلى محل والدي وبعد برهه قصيره حضر عم علي الله الرغيف المخصوص على طبق من الصاج ومقطوع الي نصفين وقال لي الف هنا وشفا وماتزعلش من عطيه(اسمها) وغادر سألني والدي عما حدث فأخبرته بما حدث فرد البت دي بالرغم من حلاوتها بس لسانها زالف انا هاحاسبها كويس.... وتناولت نصف الرغيف وشبعت جدا منه ولم استطيع تناول النصف الاخر فلفه والدي لي قائلا ابقى كله لما تجوع تاني....
المهم مرت الايام ودخلت الكليه الحربيه وتخرجت وذهبت الي الجبهه وترقيت الي رتبه الملازم اول وفي أحد الاجازات كنت اصلي الجمعه في مسجد السيده زينب وبعد انتهائها وأثناء خروجي من المسجد وجدت عم علي الله أمامي فأحتضني وسلم عليا بموده شديده فعزمته على تناول كوب من الشاي في اوبرج السيده وهو مقهى تحت عماره يمتلكها عم سيد وهو والد زميل لي ولكنه اقدم مني بدفعتين وكان صديقي ورحب بنا عم سيد صاحب المقهى واجلسنا في مكان مخصوص وخلال هذه الجلسه رأيت وجه عم علي الله الحقيقي وفلسفته في الحياه وسألخص لكم جزء من أقواله لي.....
احنا ياابني ربنا خالقنا اسباب لبعض.... لازم اللي معاه يصب على اللي َممعاهوش.... لازم يابني الواحد يجبر بخاطر اللي محتاج.... الفلوس يابني هي اللي بتبين معادن الناس تلاقي واحد معاه فلوس ياما بس معدنه فالصو.. وواحد تاني ممعهوش فلوس بس معدنه دهب....
وفي عام ١٩٩٠ علمت ان عم علي الله قد توفي ولم اعلم شيئا عن ابنته تلك الفرسه البريه الجامحه والشرسه
والي روحه الطاهره اتوجهه بكل الاحترام والاجلال والتقدير واقول....
رحمك الله ياسيدي فلقد تعلمت على يديك وانا في صدر شبابي الكثير من القيم والاعمال العطره والشريفه وادعو الله عز وجل أن يدخلك مدخل الصدق الذي وعد به عباده المؤمنين وانت منهم.....
(انتهت)