السبت 6 اكتوبر 1973
تمهيد واجب
مما لاشك فيه ان الاحساس العميق الذي ترسب بداخلي هو القلق الشديد !! ولقد ساهم قادتي الاعزاء .كلهم..في تنميه وتعظيم هذا الاحساس وذلك للاسباب الاتيه:
اولا : ثقل وعظم مسؤليه تنفيذ المهمه..كان الكل يحذر من وصول اي دبابه للعدو للضفه الشرقيه للقناه... وفعلا لو نجحت دبابه واحده في الوصول سيترتب علي ذلك خسائر جسيمه في الافراد مما قد يؤثر علي القوه الدافعه للهجوم.للقوات لان اضعف توقيت هو والقوات في الابحار
ثانيا: كانت المره الاولي في تاريخ الحروب بيننا وبين اليهود ان تعتمد القيادات علي فرد المشاه في مواجهه المدرعات وسلاح المدرعات الاسرائيلي هو افضل مالديهم حيث انهم دائما يعتمدون عليه اعتمادا كليا في حسم المواقف لصالحهم وفي نفس الوقت لديهم احدث طراز من الدبابات الامريكيه وقتها وهي الدبابه الباتون م48. فالتدريع لها يصل الي 40 سم صلب...... اي نعم اننا تدربنا جيدا علي مواجهه الدبابات وكيفيه اقتناصها ولكن اجواء القتال تختلف..!! هل لك ان تتصور هول مرور دبابه فوقك قاصده قتلك...!! اي نعم قام قائدي العظيم بأستعاره دبابه من كتيبه دبابات اللواء قمنا بالتدريب عليها..ولكن اكرر اجواء القتال تختلف....!!
ثالثا: القاذف rpj لم يجرب في قتال من قبل حتي من اللذين صنعوه اي نعم احرز نتائج ممتازه في الرمايه علي اهداف صناعيه ولكن تأثيره علي المدرعات الاسرائيليه لم نكن نعرفه...
رابعا:القتال منفردا لمده تصل الي 40 دقيقه حتي وصول باقي القوات كانت مسؤليه ضخمه علي اكتافي وكيفيه الحفاظ قدر ما يمكن علي ارواح ضباطي وجنودي..فيجب ان لا يترك اي تصرف للصدفه ويجب ان يكون الانضباط الشديد هو اساس تنفيذ المهمه... واقر واعترف انني كنت قاسيا وبشده علي كل تصرف او عمل يقوم به اي فرد من السريه سواء ضباط او جنود خارج حدود الانضباط ..! وان كان البعض كما ستعلمون وبدافع الاخلاص للوطن وغل الثأر الكامن في الصدور قاموا بافعال جسوره تصل الي حد الرغبه في الانتحار بالمقياس البشري ولكن الله عز وجل سترها معانا..
خامسا: الذخيره ومشاكلها.! وهل ستكفيني 40 دقيقه قتال متواصل مع العدو..!! اي نعم قمنا بحسابات دقيقه لها وكانت كمياتها كبيره حتي انني خصصت افراد لحم الذائد منها.... ولكن هاجس عدم كفايتها كان بيلعب في دماغي.....
ولهذه الاسباب كلها كان الاحساس بالقلق ولقد حاولت بقدر ما استطيع وبقدرتي علي التحمل ان ادفن هذا الاحساس حتي لا ينطبع ذلك علي ضباطي وجنودي .... وان كان في بعض الاحيان تفلت مني كلمات تدل عليه فأنا اولا واخيرا بشر.....!!واحمد الله تعالي ان ضباطي وجنودي كانوا علي قدر كبير من الوعي والمسؤليه والشجاعه مما مكنا من القنص الحلال...
ملاحظات:
1:كان حجم الاحتياطي المدرع الذي سأقاتله هو سريه دبابات بنسبه استكمال 70 في المائه اي حوالي من 7 الي 8 دبابه علاوه علي فصيله مشاه ميكانيكي بداخل 4 عربه مدرعه قوتها 44 فرد اسرائيلي...
2:كانت سريتي مستكمله من الافراد والاسلحه بنسبه استكمال 125 في المائه علاوه علي اسلحه دعم من الصواريخ المضاده للدبابات والمدافع المضاده للدبابات والقواذف rpj شكلت منهم 12 طاقم اقتناص وزعت منهم 6 امام مواجهه السريه وعلي مسافات تتراوح مابين 300 الي 600 متر طبقا لمرمي كل سلاح والباقي لتأمين الاجناب وخلف السريه وكذا الطريق الاوسط لسيناء حيث كان يمر علي الجانب الايمن للسريه ومسؤليتي تأمينه.
3:نظرا لكثره احداث اليوم سأقوم بكتابتها علي اقسام ومشاهد متتاليه حتي يمكن الالمام بكل ما حدث في هذا اليوم العظيم والذي حفر في القلب والعق.... دمتم لي سندا..........................
السبت 6 اكتوبر 1973............1
بدات يومي هذا من ساعته الاولي ففي الواحده صباحا وصلت الدفعه الثانيه من قوارب العبور الزودياك وعددها 5 قوارب شرعنا في نفخها علي الفور ووضعها في الاماكن المخصصه لها وانتهينا منها في الثالثه صباحا.ثم قمت بالمرور علي موقع هجوم السريه واثناء ذلك كنت أناقش ما اقابله من جنودي في المهمه المكلف بها.واحمد الله عز وجل انني وجدت من الاجابات ما يرضيني.وذهبت الي مكان رئاسه السريه وبمجرد وصولي اتصل بي قائدي العظيم وطلب مني تمام
القوارب فأخبرته بوصول 11 قارب فقط من المخصص لي وهو 14 قارب..فأبلغني بانه سيرسل الباقي علي ان اقوم بعمل تمويه جيد لهم نظرا لان النهار قد بدا في الظهور.وفعلا تم ذلك ثم اتصلت انا بالقائد لاخبره بعدم وصول مواتير القوارب ..... كان النهار ظهر ولم تعد هناك فرصه لدخول او خروج اي شيء من الموقع .فسألني وماذا ستفعل فاخبرته بانني قررت العبور بالمجاديف ولن اعتمد علي المواتير فوافق علي ذلك.....
في الحاديه عشره استدعاني القائد الي مركز قياده الكتيبه وابلغني بساعه الصفر(سعت س)وكانت لي 1400 وباقي الكتيبه 1420 وتمني لي التوفيق والاصرار علي تنفيذ المهمه...لاخر طلقه واخر رجل... هكذا قال لي ورجعت الي موقعي واخبرت قاده الفصائل بالتوقيت .وذهب كل واحد في مكانه مع جنوده.
في الثانيه الا ربع اتصلت بالقائد ورد علي رئيس العمليات الرائد /حمدي البنداري وسألته عما هناك اي تغير او جديد فاخبرني بانه لايوجد اي تغيير او جديد وجميع التوقيتات ساريه استغرقت المكالمه 5 دقائق(سافرد لها مقاله منفصله بعدما انتهي)..امرت السريه بالجمع لاعطائهم الكلمه المعنويه التي تسبق القتال وحضروا في لمح الريح.. ووقفوا امامي بكامل شده القتال .وكان طريقه وقوفي ظهري للقناه وهم في مواجهتها.كان منظرهم مرعبا فيه كل الشموخ والكرامه والاصرار.. الجسم مشدود.. العضلات نافره..قسمات الوجوه جامده..حتي انني قلت لهم اخفتموني فضحكوا
السبت 6 اكتوبر 1973...............2
اختصرت كلمتي المعنويه لجنودي في 4 نقاط (الكلام بالبلدي)
1:انا اديت لكم كل مااملك من جهد وعرق ومعلومات الباقي عليكم وخلي بالكم كل زمايلكم في الضفه الغربيه ها يتفرجوا علينا عايزين نوريهم القتال الصح .
2:انا متأكد من شجاعتكم واحترافكم ووطنيتكم وعارف ان كل واحدفيكم عايز ياخد بتار اخوانكم اللي ماتوا في حرب 67وعلشان كده ارمي كلمه الرحمه في الزباله وحط حجر كبير بدل قلوبكم لما تقاتلوا الكلاب دول.
3:
انا مش عايز اسري اي واحد فيكم يطول اي يهودي ينحره علي طول وبدون اوامر.كل واحد يتصرف حسب الموقف اللي قدامه.اي هدف يدخل في مرمي سلاحك يضربه علي طول.
4:الضفه الشرقيه مليانه بريحه الجنه تعالوا معايا نشمها كلنا.
واقسم بالله بمجرد انتهائي من الكلمه وجدت كل فرد في السريه ضابط كان او جندي يشب علي اطراف اصابعه...... امرت بتركيب السناكي وكان صوت تركيبها احلي في اذني من اي موسيقي سمعتها في حياتي.
السبت 6 اكتوبر 1973........3
امرت بنزول القوارب في المياه...نزل الجنود بالقوارب كالطوفان ولا اعلم حتي هذه اللحظه ماجري الا وانا في منتصف القناه والقوارب تشق طريقها للضفه الشرقيه(لحظه خارج الزمن) كان الكل يجدف حتي من ليس معه مجداف ..يجدف بيديه او بدبشك البندفيه... ورايت الملازم اول/مفتي عبد العزيز امام يفرد العلم الذي سيرفع علي الضفه الشرقيه وهو واقف في منتصف القارب(قمنا بتصنيع علمين بمعرفه الملازم اول/مفتي تكلفوا 6 جنيهات اشتركت انا وهو والملازم
/شوقي بدير في ثمنهم بالتساوي كان واحد منهم سيرفع علي الضفه الشرقيه للقناه والاخر سيرفع علي تبه السبعات هدف الهجوم)...دققت جيدا في هذا المنظرلاختزانه في الذاكره لاني احسست لحظتها اننا نكتب تاريخ للقوات المسلحه وتاريخ لوحدتي وتاريخ لجنودي البواسل.اختزنته جيدا.......كان قاربي هو الثاني في الوصول والاول كان قارب الملازم/شوقي بدير الذي رايته يفاضل بين مجريين للسيول كان بينهما فصحت فيه اللي في اليمين ياشوقي فنفذ في الحال وصعد منه هو وجنوده وصعدت انا من مجري سيل امامي مباشره وفي ثواني معدوده كنا اعلي الساتر الرملي.نظرت لليسار فوجدت الملازم اول/مفتي يثبت العلم اعلي الساتر ومعه الجندي/فرج محمود فرغل والجندي/عبد الرحمن طلب جمعه..تركتهم وبدات في الجري مع فصيله شوقي وكانت جميع القوارب قد وصلت وجميع جنود السريه اعلي الساتر فاشرت لهم بالتقدم وتقدمنا كلنا في تشكيل واحد.....
اثناء التقدم أنفصل عن تشكيل التحرك العريف/رجب محمد مصطفي واتجهه الي اليمين فصحت فيه انت رايح فين يارجب فاشار الي بيديه فيما يعني انتظر فتركته وتقدمت وانا اتابعه بنظري فوجدته مرتكزا علي ركبته ويخرج حزمه من اسلاك التليفون ويقوم بقطعها بالسونكي(اتضح فيما بعد انها الموصله بين النقط القويه والاحتياطي)ووصلنا الي تبه السبعات وكان اول شيء افعله ان يرفع العلم الثاني عليها ونفذنا ذلك
السبت 6 اكتوبر 1973.........4
كان رفع العلم المصري علي تبه السبعات له الاهميه الكبري لسببين الاول ارتفاع الروح المعنويه لجنودي والتي وصلت الي عنان السماء وفي نفس الوقت وجود الحافز للدفاع عنه والسبب الثاني الاهم هو استدراج دبابات العدو في اتجاهه للقيام باعمال القنص لهم وهذا ماحدث فلقد ظهرت دبابتين علي خط السماء بعد وصولي واتخاذ السريه اوضاعها القتاليه منهم دبابه متهوره ومغروره(الدبابه في الحرب تتصرف بطبيعه قائدها)وبمجرد رؤيتها قلت للملازم اول
احتياط/محمد عجرمه..... رحمه الله توفي في سن الخمسين. قائد فصيله الصواريخ.هاتلي الدبابه دي يامحمد واشرت له عليها فرد علي ضاحكا يافندم ماتشغلنيش قطاعي انا النهارده هاشتغل بالجمله.وفعلا انطلق صاروخان ارتطما بالدبابتين في لحظه واحده فانفجرتا مثل علبه الكبريت واحالوهما الي قطعه من الجحيم...بمن فيهم... وكان هذا المنظر من احلي مارايت في حياتي....(وللعلم ذلك مختزن في الذاكره حتي الان). بعدها بحوالي 4 دقائق ظهرت 4 دبابات يتقدمون في اتجاهنا وهم حياري ومرتبكين وفي نفس الوقت الخوف والفزع يسيطر عليهم فقلت للملازم /شوقي الذي كان بجواري الدبابات دي ياشوقي مش عارفه تحارب وخايفين والخوف لا يصنع مقاتل......يالا ياولاد نوريهم كيف القتال وبدانا في قنصهم بواسطه اطقم اقتناص الدبابات ...... وكان العريف متطوع /صلاح الدين عبد العزيز محمد اول من اصاب واحده منهم في الجنزير فوقفت ثم اخذ يتسلي عليها بالطلقات وانا عمال ازعق له خوفا من نفاذ الذخيره ولكنه لم يبالي...الغل الكامن في الصدور جعله يصنع منها مصفاه... خرمها كلها ولم ينجو منها احد.... والتاليه قام الجندي /عبد الرحيم علي محمد باصابتها في البرج مما ادي الي توقفها ثم اخذ يتسلي عليها ايضا....والتاليه اصبناها بصاروخ فانفجرت والرابعه قام طاقم الاقتناص بقياده الجندي/محمد محمد سليمان باصابتها في المحرك وبعد مرورها عليه ... لم يهتز او يخاف واصابها في مقتل....ابلغت قائدي العظيم .لاسلكيا بتمام تدمير 6 دبابات والذي لم يصدق ان هذا العدد تم تدميره فشخط في قائلا بطل شغل اليمن ياطلبه فاجبته يافندم انا لم اذهب الي اليمن ولا علم لي بما كان يحدث هناك ... وفوجئت بالعقيد /محمود علي المصري قائد اللواء يتدخل في هذه المحادثه ويؤيد كلامي .لانه كان يراقب معركه السريه من الضفه الغربيه ومن مكان اعلي وشاهد تدمير هذه الدبابات........ الحمد لله رب العالمين..؟قلتها لنفسي وانتظرت لكي تظهر دبابات اخري ولم يحدث
السبت 6 اكتوبر 1973........5
جلست علي تبه السبعات بعد الانتهاء من قنص وتدمير 6 دبابات للعدو لانتظار وصول كتيبتي ..وكان تفكيري مشغولا بباقي المقدر من دبابات العدو فالمفروض هم 8 والذي تعاملنا معهم 6 فقط.فاين الباقي ..؟؟ ظل هذا يقلقني لان الكتيبه علي وصول ..!! وبدات اشباح الكتيبه في الظهور علي الساتر الرملي للضفه الشرقيه وكان اول واحد في الوصول منها هو الملازم اول/مدحت الميهي والذي احتضنني وقال لي مبروك يافندم تنفيذ المهمه... فرددت عليه لسه بدري
يامدحت باقي دبابتين ومش عارف هما فين وخايف يوصلوا والكتيبه ماخدتش استعدادها... فقال لي ربنا يستر وتركني ليحتل موقع الهاون... ووصل قائدي العظيم بعده ومعه الملازم اول/سعيد عبد الوهاب امام ضابط الاستطلاع ووقف معي وشاهد بنفسه الدبابات المدمره والتي كانت مشتعله.. وعلق عليها وقال كل الدبابات دي وماعرفتس تجيب منها اسير. فتحججت بحجج واهيه احسست انها لم تقنعه وسكت الرجل ولكن سكوته كان علي غيظ... هكذا خيل الي.امرني قبل مغادرته لي بتامين الاجناب.. وظهر السريه وكذا استعواض الذخيره التي استهلكتها وتركني. قمت بالمرور علي مواجهه السريه فوجدت جميع افرادها في حاله معنويه لا استطيع وصفها رايت الثقه في الله.. والشموخ ..والاراده الصلبه.. والتصميم..رايتهم جميعا عمالقه حتي الضعاف منهم كانوا علي درجه كبيره من قيم المقاتل. رددت بداخلي الحمد لله .....
وصل باقي الكتيبه ومروا من خلالي وتقدموا لحوالي 500 متر امامي واصبحت سريتي تعمل في النسق الثاني للكتيبه ومستعده للدفع للاشتباك في اي وقت يحدده القائد
السبت 6 اكتوبر 1973......6
وكما دلني احساسي قامت دبابه اسرئيليه بالهجوم علي احدي سرايا النسق الاول للكتيبه قبل استكمالها اعمال التجهيز الهندسي لمواقعها وكان الهجوم مباغتا لها ولكنه كان حلاوه روح..!!..فقام احد الجنود بقذفها بقنبله مضاده للدبابات فهربت...
في الثامنه مساءا ظهرت دبابه واعتقد انها نفس الدبابه السابقه مره اخري مضيئه جهاز الزينون لها وهو جهاز اضاءه قدرته مليون شمعه يحيل الظلام الي نهار بحيث لا يستطيع احد التصويب عليها علاوه علي انه يحرق
شاشات اجهزه الرؤيه الليله لنا ونجحت هذه الدبابه في اختراق الحد الامامي لسرايا النسق الأول ووصلت الي حدود سريتي فقام الجندي /فايق صبحي غطاس والذي قمت بالكتابه عنه مقاله حمل في مواجهه ذئب....بقذفها بقنبله مضاده للدبابات ووقعت هذه القنبله علي محرك الدبابه فاشعلت بها النيران وقام طاقم اقتناص الدبابات بقياده الجندي/محمد محمد سليمان باستكمال تدميرها وقفز منها 3 جنود قمنا بقتلهم .................وكانت هذه المواجهه وبهذه الطريقه مع الدبابه الاسرائليه وامام جميع افراد الكتيبه الاثر الكبير في رفع الروح المعنويه للجميع وكسرت الحاجز النفسي لمواجهه الدبابات .....
الحمد لله...الحمد لله.. رددتها بداخلي مرات عديده هذه هي الدبابه السابعه وباقي واحده........ ونحن لها لمنتظرون.
،يتبع