مازلنا في فتره الخدمه بمركز التدريب الاساسي القاتله لي..!! في منتصف عام 92 وصل للمركز دفعه مستجدين مؤهلات متوسطه معظمهم من محافظات الصعيد.وبدانا معهم مشوار تحويلهم من شخص مدني الي شخص عسكري وهي عمليه شاقه جدا لهم ولنا..!! وتحتوي علي شقان الشق الاول بدني والثاني معنوي ونفسي ..بالنسبه للشق البدني فان الجندي المستجد يبذل مجهودا بدنيا في التدريب يبدا من السادسه صباحا وحتي العاشره مساءا بدون هواده بحيث يصل في نهايه اليوم لايتمني سوي النوم ويستمر هذا النظام لمده 45 يوم متصله ومتواصله وبدون اجازات..(كل جيوش العالم تتبع هذا النظام) اما الشق المعنوي والنفسي فيتلخص في بث روح الانتماء والتعاون مع الغير وحب الوطن وانكار الذات ويتخلل ذلك محاضرات دينيه وتاريخيه مع اقامه حفلات ترفيهيه بسيطه وكذا عمل مسابقات بين الجنود وبعضهم او معهم ومع اطقم المعلمين لهم علاوه علي ضروره رؤيتهم لنا نحن الضباط كقدوه في التصرفات او المظهر...كل ذلك يتم تحت مظله حفظ كرامتهم وادميتهم وحقوقهم التي كفلتها القوات المسلحه لهم.....
المهم حان وقت نزول هذه الدفعه اول اجازه لهم بعد 45 يوم شاقه ومتعبه لهم ولنا فابلغوني بان هناك 150 جندي منهم يرفضون النزول.....!!!! امرت بجمعهم في ارض الطابور علي ان يكون معهم ضباطهم واطقم التعليم لهم....وقابلتهم....وسالتهم عن سبب رفضهم النزول للاجازه...وياهول ماسمعت..وسالخص لكم ماقالوه...
يافندم انا هنا ضامن اكل الثلاثه وجبات.....يافندم انا هنا باكل لحمه كل يوم.....يافندم انا هنا بنام علي سرير لوحدي.....يافندم انا هنا بحس اني عايش زي البني ادمين....يافندم انا ابويا بينظم لينا وقت النوم لان ماينفعس ننام انا واخواتي في وقت واحد...يافندم انا هانزل اعمل ايه مافيش شغل اشتغله.....يافندم انا ابويا في الزياره طلب مني ارفع عنه مصاريفي طالما انا مستريح هنا.....يافندم انا قبل ماخش الجيش كنت حاسس اني غريب في بلدي بس هنا حاسس اني في بيتي.....يافندم انا رجعت ليا كرامتي لما دخلت عندكم......!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
كنت صامتا وهم يتكلمون.. وبالرغم ان كل ماقالوه يمكن ان اعتبره نجاحا للمركز في اداء رسالته وفي نفس الوقت يمثل نجاحا لي شخصيا في عملي ولكن لم اكن سعيدا علي الاطلاق بهذا فلقد شعرت بقطرات النزيف في قلبي وفي نفس الوقت لا استطيع الرد علي ماقالوا ولا في يدي شيئ استطيع تقديمه لهم..!! وخاصه انا من الجيل الذي استمتع ببلده في فتره الشباب وكان كل شيئ متوافر لديه واي دخل مهما كان قليلا يستطيع العيش به وكرامته محفوظه....مراره شديده شعرت بها وحزن اشد علي وطني...!!!!!! اقتنعت بما قالوا وامرت بعدن نزولهم اجازه علي مسؤليتي..
شغلني هذا الموضوع وكان يزن في اذني كلامهم وقمت بكتابه تقرير الي اداره المخابرات الحربيه قلت لهم فيه الحقوا البلد....بلدنا هاتضيع لولم يكن هناك حل لهذه المشاكل.........مشاكل الفقر....
فعلا الفقر في الوطن غربه......