ويمضي الصول اذدشير يعلمنا طوابير التعليم الاولي حتي وصلنا الي تعليم الخطوه البطيئه (الخطوه الجنائزيه) والتي اراها الان تنفذ في جنازات الشهداء بطريقه عشوائيه ومهينه ولا تحترم جلال الموت او الاستشهاد.....!!!!!!
كان الصول اذدشير يقول لنا اثناء تعليم هذه الخطوه استحضروا جلال الموت وخلي رجلك تبكي مع الجنازه....لم افهم معني تلك العباره الا بعدما اشتركت في تشيع احد شهداء الكليه اثناء احد المناورات التي نجريها وهو طالب القسم المتوسط سيد عبد الباقي حسنين...وكانت الجنازه ستتحرك من ميدان القبه الفداويه وحتي ميدان العباسيه .....في هذه الجنازه احسست ان رجلاي تبكي معها..
كانت المسافه التي سنمشيها يلفها كلها جلال الموت ونحن نسير منكسي السلاح وكانت الخطوه تبدأ بمشط القدم يزحف علي الارض ثم دبه بكعب الحذاء والمزود بحدوه حديد لتدق علي الارض دقه واحده لمجموع من يمشون في الجنازه ويتزامن هذا مع دقه الطبله الكبيره والصاجات النحاسيه الكبيره كله في وقت واحد وتناغم واحد والمارش الجنائزي يعزف وكان جثمان الشهيد مسجي فوق عربه مدفع يجرها اربعه خيول سوداء ضخمه وعفيه تركوا شعر جسدها يطول طول غير عادي ويغطي هذا الشعر وجهها وينسدل حتي اعينها وكذا يغطي اقدامها وحوافرها لتبدوا كحيوان اسطوري يجر العربه....ساعتها فهمت معني مقوله الصول اذدشير والذي كان يمشي نفس الخطوه كمشرف علينا من خارج الصف ورأيت عيناه تدمعان ...
وتمضي الايام مع الصول اذدشير ممتعه اثناء التدريب علي التعليم الاولي ثم التدريب علي الاسلحه الصغيره حتي اننا كنا نتشوق اليها وننتظرها برغبه شديده.....
وتمضي السنين ونتخرج من الكليه..وسنين اخري اثناء الخدمه حتي ترقيتي الي رتبه العميد واتولي وظيفه قائد مركز تدريب وفي يوم من الايام وانا اتجول خلف صفوف دفعه مستجدين مؤهلات عليا اري احد الجنود قفاه يشابهه قفا الصول اذدشير وشعر رأسه احمر ناري فربت علي كتفه واخرجته من الصف وسألته عن اسمه فرد محمود اذدشير ..ياالله علي الصدف.المهم اصطحبت هذا الجندي الي منصه ارض الطابور ومن خلال الميكروفون ابلغت كل الحاضرين ان والد هذا هو من علمني العسكريه ولازم ارد فضل ابوه عليا...والحقت هذا الجندي علي مكتبي ليكون من ضمن افراد السكرتاريه التابعين لي ومنحته اجازه سبعه ايام وفي ميعاد عودته ابلغتني البوابه ان هناك رائد شرف يريد مقابلتي فأذنت له واذا هو الصول اذدشير جاء ليشكرني عما فعلته مع ابنه....كان رجلا كهلا ويستند علي عصا وشعر رأسه تحول الي كتله من الشعر الناصع البياض فقمت من مكتبي احتضته وقبلته وامضي معي اليوم كله تخلله غذاء فاخر من جيبي ولم اشعر بالوقت معه ولم يكف عن عن نوادره وفكاهاته ثم امرت سائق عربتي بتوصيله حتي منزله وبعد خروج ابنه من الخدمه لم اسمع عنه شيئا.....ومهما يكن سواء هو علي قيد الحياه اوهو مع الرفيق الاعلي فأقول حياك الله علي ماعلمتنا اياه وحياك الله مره ثانيه علي اخلاصك في عملك وحياك الله علي نجاحك في تخريج اجيال من ضباط القوات المسلحه تدين للوطن بالاخلاص وجعلتها تحبك......(انتهي)
المجد لجيش مصر...وتحيا مصر الوطن