يوم الجمعة بالليل وأنا بتفرج على ماتش مصر الأخير ضد إثيوبيا، اللي كسبنا فيه ٢-٠،
كلمني واحد صاحبي، مع إن بينا تواصل على طول، بس استغربت وقتها من المكالمة نفسها.
– إزيك يا طه، عامل إيه؟
– الحمد لله يا مصطفى
_،بقولك... هو انت هتبات عند القصب النهاردة؟
أبات عند القصب؟!!
استغربت جدًا من السؤال، لسببين:
أولًا، علاقتي بمصطفى مش قوية لدرجة إنه يسألني هبات فين.
ثانيًا، القصب أصلاً مش سهل يتسرق، خصوصًا بالليل، عشان فيه ذئاب كتير بتسكنه،
عكس محاصيل تانية زي السمسم، الفاصوليا، والفول السوداني، اللي سهل يتسرقوا عشان خفاف التحميل وسعرهم عالي.
تمتمت كده وقلتله:
– لا، القصب محدش بيقربله بالليل.
بس وأنا بكلمه، جه في بالي يمكن عايز يمص قصب!
وعندنا في الصعيد، بنتعامل مع القصب كنوع من التسالي،
وده عشان منطقتنا كلها بتزرعه،
قلت لنفسي:
– بس هو هيمص قصب بالليل؟!
سألته:
– بتسأل ليه؟ في حاجة؟
سكت شوية وقال:
– لا أبداً، إيه رأيك بعد الماتش نروح نتمشى شوية هناك؟
– تمام...
بس بردو استغربت من طلبه.
خلصت الماتش، ورن عليا، واتمشينا في طريق كله محاصيل زراعية.
وهنا حابب أقول إن الطريق ده جميل جدًا، خصوصًا في الصيف،
الهوا اللي بييجي كده تحس نازل من السما بنقائه، وانت بتتنفسه بتحس براحة.
مصطفى طول الطريق بيتكلم في مواضيع، أقل ما يقال عنها إنها تافهة،
وخسارة الواحد يبذل فيها مجهود في النقاش.
وصلنا عند القصب، وقبل ما نقعد، قال:
– عايزين نشرب شاي من بتاع الغيط.
بصيتله كده وقلتله:
– إنت جايبنا من آخر الدنيا عشان تشرب شاي على الحطب؟!!
أنا كنت فاكر يا بني إنك عايز قصب أصلاً...
– طيب خلاص، نكنسل الشاي وهاتلنا كام عود قصب وخلاص.
القصب عمومًا بيكون أحسن في العيدان اللي على طرف الغيط،
عشان ما بتتشبعش مياه كتير، وسكرها بيكون عالي،
وكمان جدرها مش بيعفن، لأنها بتتهوى من المناطق الفاضية اللي حواليها.
بس الغريب إن مصطفى طلب قصب من وسط الأرض!
قلت يمكن عشان مش بيزرع قصب، فمش عارف إن أحسن محصول بيكون على الأطراف.
بدأت أشرحله، لكنه أصر على طلبه، ومع ذلك رفضت،
لأني عارف إن لو دخلت، مش هطلع، بسبب الذئاب اللي جوه،
واللي بالمناسبة كان صوتها عالي جدًا!
– فكك من القصب، وتعالى نعمل شاي وخلاص.
اقتناع وسكت.
بدأت أجهز الحطب، وعملت كانون من بتاع زمان،
وفجأة سمعت صوت جاي من ناحية القصب...
صوت ناس ماشية، ولأن القصب كان طويل وقرب يتحصد،
فورقه من تحت كان ناشف، وده اللي خلّى الصوت عالي.
– سامع الرجل اللي ماشية جوه؟
قاللي:
– يا عم دي تلاقيها ذئاب، وأول ما تولّع النار ويشوفوا الضي بتاعها، هيرجعوا.
مقتنعتش بكلامه، بس قلت تمام،
ما هو القصب محدش بيقدر ينزله،
ومع أول تكة من الولاعة،
حسيت بحاجة صلبة خبطتني في راسي من ورا.
مديت إيدي أشوف إيه، وفعلاً زي ما توقعت... دي كانت ماسورة بندقية آلي!
وأول ما إيدي لمستها، سمعت صوت واحد بيقول:
– مكانك! ولا حركة!
– أي رد فعل منك، هفضّي الخزنة كلها في دماغك!
– على وضعك! متتحركش!
– كتفوه يا رجالة!
مكنتش متوتر، يمكن عشان الليل والنوم جنب المحاصيل مش حاجة جديدة عليا،
بس اللي شغلني وقتها: فين مصطفى؟
ليه محدش حذّره زي ما حذروني؟
هو هرب؟
أنا مسمعتش منه أي صوت، ولا مقاومة،
مع إني أول ما حسيت بالبندقية، مسكت مقدمتها وقلت:
– مين انت؟
وحاولت أقف أو أعدل قعدتي...
وفجأة، شفت واحد منهم ملثم، خد مصطفى على جنب وقاله:
– مهمتك خلصت لحد كده، وأمانك علينا.
أنا اتصدمت...
مش فاهم إيه اللي بيحصل حواليّا،
مذهول من اللي بسمعه!
ربطوا إيدي من ورا ضهري، وبدأت الأسئلة تنهال:
– انت ابن مين فيهم؟
– عمك فلان فين؟
– أبوك مش بييجي الأرض بالليل ليه؟
أسئلة كتير، وأنا لسه مصدوم من الهجوم المفاجئ،
ومن الكلام اللي سمعته لما كلموا مصطفى...
مكنش عندي إجابة،
كنت زي راجل عنده ٨٠ سنة ومصاب بالزهايمر!
حاولت أستجمع قوتي،
أفك الرباط، أهرب، أعمل أي حاجة...
بس مفيش فايدة،
حواليّ أكتر من ٥ أفراد ملثمين،
مفيش باين منهم غير عيونهم،
والشر اللي فيها...
واضح إن الناس دي جاية ترد ثأر،
واللي للأسف، لسه موجود في الصعيد لحد النهاردة.
بدأت أهدى شوية،
أجمع أفكاري،
ولما سألوني عن اسمي الرباعي واسم أمي،
فهمت إنهم بيدوروا على شخص معين،
وغالبًا زي ما خيّل لي... الموضوع فيه ثأر.
وبعد ما جاوبت على أسئلتهم،
وعرفوا أنا ابن مين وتبع مين،
اتضح إن أنا مش الشخص المطلوب،
ولا حتى النجع اللي هما عايزين منه الشخص ده...
بدأوا يتسللوا واحد ورا التاني،
وآخر واحد فيهم بصلي وقال:
– مش إنت اللي بندور عليه... هنسيبك تمشي،
– بس أي حركة منك... هتكون آخر لحظة في حياتك.
ولأنهم كانوا مجموعة، وكلهم مسلحين،
وأنا لوحدي،
مكنش قدامي غير إني أمشي من غير أي رد فعل،
ولا حتى كلمة.
كنت ماشي وأنا حاسس برجلي بتسحب في الأرض،
مش من التعب،
من الرعب اللي مسيطر عليا،
ومن الأسئلة اللي بتلف في دماغي:
مين الناس دي؟
وإزاي مصطفى كان جزء من اللي حصل؟
وإيه اللي كان ممكن يحصل لو كنت أنا الشخص اللي بيدوروا عليه؟
بس في اللحظة دي،
كنت عارف إن أي حركة غلط...
ممكن تكون فعلاً النهاية.