في السؤال عن الحب، لا نبحث عن إجابة بقدر ما نُفتّش عن أنفسنا.
لماذا نُحب؟ كأنّما نُسأل: لماذا نَتنفّس؟ لماذا نَشتاق؟ لماذا نَحزن إن ابتعدَ الآخر؟
الحبّ ليس اختيارًا حرًّا بالكامل، بل هو انقيادٌ لطيف لقوّة خفيّة تسكن في الصدر وتُشعل القلب.
نُحبّ لأنّ في داخلنا فراغًا خُلِق ليستقبل الآخر.
نُحبّ لأنّنا مخلوقات ناقصة، نبحث في وجوه الآخرين عن أجزائنا الضائعة.
نُحبّ حين يُمسك أحدهم بأيدينا دون أن نسأله، حين يفهم صمتنا، حين يفسّر وجعنا دون أن ننطِق، وحين يبتسم لأننا ابتسمنا، لا لأن هناك سببًا آخر.
نُحبّ لأنّ الحياة دونه لا تُطاق.
تبدو الأيام أبطأ، والليالي أطول، والوجوه باهتة، والأغاني جوفاء، حين يغيب الحبّ.
في لحظة البُعد، لا يعود للقلب وزنه الطبيعي، بل يغدو أثقل من صخرة وأرقّ من دخان.
يتنقّل بين الذكرى والحنين، بين صوتٍ قديم وصورةٍ محفورة في الذاكرة، وبين رسالةٍ لم تُرسل، وكلمةٍ لم تُقل.
نُحبّ لأنّ القلب لا يطيق الوحدة، ولأنّ الكتف الذي نميل إليه يُعادل في لحظة صدقه كل الفلسفات والمكتبات.
نُحبّ لأنّ بعض الأرواح تُشبهنا أكثر من أنفسنا، لأننا نشعر بالقرب من شخصٍ ما، أنّنا لسنا في هذا العالم وحدنا.
أن هناك من يُفكّر بنا، ولو من بعيد، ولو بصمت، ولو دون وعود.
في لحظة البُعد، يتحوّل الجسد إلى وعاءٍ شفاف، نُرى من خلاله متصدّعين.
النبض يفقد تناغمه، والعيون لا تنام، لا لشيء، فقط لأنّ من نحبّه ليس هنا.
تسكننا رعشة، ونتذكّر كل لحظةٍ مشتركة كما لو كانت الأبد.
نُحبّ لأنّ الحياة بلا حُبّ تشبه الآلات: تعمل، تتحرّك، لكنّها لا تشعر.
ليس في الحبّ منطق، ولا قانون يحكمه، بل هو الفوضى الوحيدة التي تمنحنا ترتيبًا داخليًّا.
هو الفقد الوحيد الذي يُعلّمنا الامتلاء، والجرح الوحيد الذي يُعيدنا إلى الحياة.
نُحبّ، لأنّ الحبّ ليس اختيارًا… بل هو النداء الأوّل الذي سمعناه ولم نفهمه، النداء الذي لا نكفّ عن تكراره في أعماقنا، كلّما مررنا بجانب مَن يُشبهنا دون أن نعرفه.
الحبّ هو أن تفتح صدرك وتقول: “ها أنذا، بكل ضعفي، بكل خوفي، بكل أملي… خذني كما أنا، أو لا تأتِ.