لحيته… حكاية دفءٍ لا تُروى”
لم تكن لحيته مجرد ملامح إضافية على وجهه…
كانت فصلًا كاملًا من رجولته،
ظلًا لحنجرته،
وستارًا خفيفًا على أسراره التي لا يُقال منها شيء… لكنها تُشعَر.
أحببتها أول مرة رأيته،
لم أعرف لماذا…
ربما لأنها كانت تشبهه:
بسيطة، واثقة، لا تطلب إعجابًا… لكنها تأسره.
كنت أراقب كيف تمر يده عليها حين يتحدث،
كيف يمرر أصابعه كأنما يطمئن على شيءٍ لا يريد فقده.
وكنت أتوق، في صمتي، أن أكون تلك اليد…
أو حتى الشعرة التي ارتجفت تحتها.
حين يضحك، ترتجف لحيته قليلًا،
كأنها تضحك معه…
وحين يغضب، تصمت…
لكنها تقول كل ما يخفيه وجهه.
لم تكن لحية فقط،
كانت وطنًا صغيرًا يتسع لكل شتاتي،
وكنت أعرف أنني لو لجأتُ إليها…
سأنجو.
رائحتها تشبهه،
شيء من المسك، شيء من القهوة، وشيء من المطر…
وربما شيء مني.
قال لي مرة، مازحًا:
“سأحلقها قريبًا.”
ضحكتُ… لكن قلبي انكمش،
كأن أحدهم أخبرني أنه سيرحل،
دون أن يودّعني وجهه الذي أعرفه…
بكل تفصيلةٍ فيه.
لحيته ليست موضة.
هي عمرٌ ينمو على وجهه،
ونضجٌ يُعلن عنه دون تصريح،
وذاكرةٌ مشتهاة،
أودّ لو أدفن وجهي فيها،
ثم أنسى العالم.