لمَ لم يُمسك أحد بيدي حين بدأت أنحدر ببطء نحو العدم؟ لمَ لم يصرخ بي أحدهم: “هذا طريقٌ بلا ضوء!”؟ لماذا تركوني أتورط في بناء عالمٍ من وهم، وتفاصيل خاوية، وأنا أظنني أشيّد حياة؟
لم يكن بين أولئك الذين مرّوا بي من قال لي: “توقّف، هذا موتٌ آخر بشكلٍ أنيق.”
قضيتُ عشرين عامًا أُزين واجهات الآخرين، أرسم لهم نوافذ لا أملك أن أطلّ منها، وأُجمّل جدرانًا تحبس خلفها أرواحًا ميتة، حتى نسيت ملامحي خلف أقنعة الطلاء والورق والمجاملات.
البيوت التي بنيتها للناس، لم تكن بيوتًا، كانت أقفاصًا مذهبة، أو مسارح رديئة التهوية. فيها اختنقت الأمهات، وسُحقت رغبات الفتيات، وتحوّل الأبناء إلى آلات تتقن الصمت.
كل ذلك وأنا أبتسم، وأدوّن ملاحظات حول نوع الستائر، واتجاه الضوء.
أين كنتِ يا أمي حين كان يمكن لصوتكِ أن يُنقذني؟
أين كنتم يا أصدقائي؟
لماذا اعتدنا أن نرى بعضنا يتهاوى، ثم نصفّق له كأنه يرقص؟
لم أعد أحتمل الثرثرة في المقاهي، ولا نظرات المجاملة، ولا اللعب بورق الزمن. أحتاج أن أصرخ، أن أحطم كل بيتٍ رسمته يدي، أن أعود فتى، بلا خرائط، بلا أوهام، بلا أكاذيب عن “النجاح”.
هل هناك من يدلني على باب لا يفضي إلى قفص؟
هل هناك من يدلني على طريق لا ينتهي بي إلى نفسي القديمة؟