أنا الصوفيّةُ، في دمي أسرارُ
والقلبُ محرابٌ، بهِ الأنوارُ
أنسجتُ من وجدِ المحبةِ وحدتي
فالسِرُّ في روحي، لهُ أسفارُ
لا تسألوني عن يقيني إنّني
أهذي بحبٍّ ليس فيهِ غِيارُ
أنا في رحابِ اللهِ أذرفُ خاشعًا
دمعَ العروجِ، كأنّهُ الأزهارُ
سَكْرَى بغيرِ مدامةٍ، والروحُ في
خلواتِها تتلو بها الأسرارُ
لي في الجوى نبضُ الجلالِ، وكلّما
نادى الحبيبُ تأهّبتْ أوتارُ
يا سائلي عن مذهبي، أنا عاشقٌ
والعشقُ ديني، والهوى أطوارُ
طهري يقيني، والزكاةُ تحرقي
والصومُ صمتي حينَ لا أوارُ
صوتي تسابيحُ العشاقِ إذا بَكَوْا
والدمعُ فيهم آيةٌ تُتْلى،رُ
عيناكَ لو تبصرْ بها ما أبصرتْ
أدركتَ أنَّ العالمَ الأبهى نُورُ
ما بينَ حرفِ الذاكرينَ، وجمرِهم
سرُّ الشهودِ، وفي الحريقِ مدارُ
كفّي تفيضُ من السخاءِ، فإنْ أتى
ضيفُ المحبةِ، هامَ بي المقدارُ
أنا ساجدٌ للهِ في جنباتِه
كوني، وفي سَجَدي أنا المختارُ
إنْ شئتَ أن تلقى الجمالَ بحقهِ
فانظرْ إلى الأرواحِ كيفَ تُدارُ
هم أهلُ وجدٍ لا يضرُّ صيامَهم
جوعُ الأنامِ، ولا يذيبُ غِمارُ
يركضْ زماني خلفَ ظلِّ مناجلي
وأنا الذي بالحبِّ قد أختارُ
كفّرتُ عن وجدي بمن أحببتُهُ
فالعاشقُ المجنونُ فيهِ يُغارُ
لا نَشْتكي وجعَ البعادِ، فإنّنا
في القربِ نبكي، إنّ ذاكَ دثارُ
أرواحُنا مرآتنا في سُهدِنا
والأرضُ سجّادةٌ لها أعمارُ
ذكري خفيٌّ، لا يراهُ سواهمُ
قومٌ إذا ناجوا العليَّ أطهارُ
يا أيّها المتغرّبونَ عن الدُجى
نورُ التصوّفِ في الدجى مشهارُ
لسنا نُكفّرُ بالذنوبِ، فإنّما
نغسلُها بدموعِنا الأبرارُ
نهوى الجمالَ بكلِّ وجهٍ قد بدا
فاللهُ في مخلوقهِ، ستّارُ
إنّي إذا أنشدتُ ربّي، قد سَمِعْ
قلبي يُصَفّقُ، والندى دوّارُ
ما ضرّني إن قال قومٌ: تاهَ في
صحراءِ وجدٍ، إنّهُ محتارُ
فلعلّ في تيهي وجدتُ حقيقتي
وسمعتُ في لغتي تصيحُ ديارُ
أنا الصوفيّةُ، والجمالُ عقيدتي
والحبُّ محرابي، أنا الأخيارُ
تاهَ الكلامُ على لساني مرّةً
فبكى القصيدُ، وفاضَ منهُ نَثارُ