في أول الغياب،
لا تكون البلاد واضحة بما يكفي للبكاء،
تكون الغرفةُ مزدحمةً بأسماءٍ لم تُعلن،
بالظلال التي تأخرت عن الجثث،
وبصوتٍ خافتٍ يشبه صلاةً لم تكتمل.
يمرّ النهار خفيفًا على قلبٍ مثقوبٍ،
كأنّه لا يعرف ما جرى.
لكنّ الأرض تعرف.
والله يعرفه.
في أوج الفقد،
لا يموت الشهيد مرّةً واحدة،
يموت في المقاعد الفارغة،
في الكراسات المهملة،
في قمصان لا أحد يطويها،
في الرسائل التي لم تُقرأ،
وفي رائحة الثياب التي بقيت على حالها.
يحدث أن يمرّ اسمه كريحٍ عابرة،
وأن لا يسأل عنه أحد.
لكن الجدار يسمعه.
والله يعرفه.
في آخر الغياب،
تصبح الذاكرة طقسًا لا يُحتمل،
كل ما ينقص يعود في شكلٍ جديد:
ضحكةٌ تُخطئ التوقيت،
شالٌ نسيَ كتفًا،
ظلٌ يرتبك حين يخطو.
والقصيدة؟
تمتلئ بما لا يُقال،
وتكتمل بنقصٍ فادح،
كل سطرٍ فيها
يناديه باسمه.
والله يعرفه.
هو الآن
في الغيم الذي يمطر دون استئذان،
في الرصاص الذي لم يُصِب أحدًا،
في وجوه الأمهات حين لا يسلّمن على الغياب،
في الزهور التي تكبر وحدها على التراب.
لا تماثيل له، ولا عناوين بريدية،
لكن صمته يفيض،
ويملأ النشيد.
لقد أطلق اسمه
في الريح
ومضى،
وحده الله يعرفه