عزيزتي أمل،
كلماتكِ غُرِست في قلبي قبل أن تستقرّ في محبرة القلم...
حديثكِ عن مرضى النسيان جعلني أراهم بصورة أخرى:
لا كمن فقد شيئًا،
بل كمن استردّ براءته القديمة؛
كمن تخفف من كل ما أوجعه ومضى...
مضى في رحلة العمر خفيف القلب، صافياً كنسيم الفجر.
نعم،
نحن الذين نحمل ذاكرتنا كحقائب مثقلة بالخوف، والخذلان، والحنين،
نحن الغرباء عن الراحة،
الذين تلسعهم الذكرى كلما ظنوا أنهم اقتربوا من النسيان.
نحن الطيور بأفئدتنا،
نصطاف في الملكوت، نمطر خيرًا،
وإن لم نُزهر، مررنا خفافًا لا نؤذي، واللهم لا نُؤذَى.
صدقتِ، غالية قلبي،
الذاكرة ليست فقط خزينةً للحب، بل أيضًا مقبرةً للألم.
والنسيان، الذي نظنه لعنة، قد يكون أحيانًا أعظم هدية ربانية لم تُكتب لنا بعد.
هذا الوجع الجميل يُذكرنا بأننا لا نزال أحياء،
لا نزال قادرين...
ما يثير حفيظتي:
أتكتبين عنهم لأنكِ تتمنين لو تحظين بنصيبٍ
من هذا النسيان الجميل؟
أم أن تكالب أهل الأرض أنهك قوانا و جعلنا لا نمانع
ببعض السكون الطويل...؟
أراكِ رغم الألم،
تنسجين وشاحًا آخر لذاكرتكِ،
ولكن هذه المرة...
أجمل... وفي جوهره، ينابيع حنين.