أما عن تلك الروح الطيبة،
كنا نحن أهلها.
أصفها لك، سيدي الكريم:
ريحٌ مُزنة، تمرُّ على جدب الأرواح،
فتُنبِت الزرعَ من كل الثمرات،
تفيض، لكن بلا طوفان،
وتعطي، دون أن تمنّ.
كان يظن أن هذا الغيث يصبّ في أهله،
فأغدقهم أنهار المعروف،
ووهبهم من الروح مدادًا لا ينضب.
أتَعلم، سيدي؟
لا ضير في الزروع، صنوانها ومختلفها،
على جُددٍ بيضٍ وسودٍ وحُمر،
كلها أرزاق الله فينا،
نعطي لوجه الله، لا نعرف منًّا، ولا نُحب الأذى.
لكن معضلتي... تلك المضغة الصغيرة،
تقاسموها، وهي في حبّهم ـ رغم العيوب ـ راضية.
والمحب... يتغافل عن زلات الحبيب،
حتى جُهل عليه.
تغافلنا، حتى غفّلونا،
وصمتنا، لأجل بقاءِ وصلٍ أمرنا الله به.
كنا نجهل...
أن الله لم يأمرنا بذبح أنفسنا، إلا له.
وحين دارت الأيام،
استمرؤوا ملوحة دمعنا،
فلم يُبقوا فينا نَدى.
شكوت أمري لمن زرع القلوب في نبت الصدر،
صار لطفي يُخيفني،
وأصبحت طيبتي تُربكني،
كأنني سقطت في غيابة يوسف،
لا قميص يُردّ، ولا قافلة تمرّ.
ألفتُ الوحدة، والهجر،
لكن...
تزال القلوب الطيبة كما هي،
مهما انهال عليها قبح أغيَار النفس،
تلك الأفئدة محفوظةٌ بربها،
لا مِساس،
ولا تعرف الحقد.
لله قلبي...
مهما تساقطه الأيادي؛ لا تنفطره الأقدار.