أظنني كرهت الحب... ووعوده الواهية.
كائن كذوب، أنانيّ، لا يُدرك شيئًا من جوهره،
ولا يتقن سوى التسكع بقناعٍ بارعٍ في خداع القلوب.
تأملت حاله كثيرًا،
فاستنتجت أنه ربما كان الأنسب له أن يكون طبيب تخدير؛
يُبقي مفعول معسول كلماته للحظات،
أو يُزيد جرعة السكر في النبض لساعات،
ثم ينسحب دون أثر... كأن شيئًا لم يكن.
وأظنني لم أعد أرغب في هذا النوع من الحب،
لست من هواة الكلام الرنّان، ولا طنين الأنغام.
أنا إنسان من طينة الفعل،
لا أُتقن التلاعب بالحروف،
ولا أُجيد رقصها على أوتار من يُتقنون ترويض المعاني،
ويهيمون في دهاليز المجاز ومواضع التأويل.
بل لعلّي لم أبلغ بعد حتى مرتبة طفلٍ يحبو في ساحة الهوى.
لا أستهوي عُشّاقه، ولا أسعى لمكانٍ بينهم.
أنا أُنوي التمرّد،
أُريد إقامة دولة خاصة بي، عالمي أنا،
وإن ظللت فيه وحدي.
سأضرب أرض أوهامهم بعصاي السحرية،
وأُشيّد عالمي المثالي،
حتى وإن كان خيالًا محضًا...
لكنني فيه "أنا"،
كما أحبّني وكما أفهم ذاتي.
نعم، أُحبك؟
لكن كيف؟
كيف تُحب إنسانًا، تُكن له صدق الشعور،
تشاركه دربًا، وكسرة زاد، وهمس الزواد،
ثم تقترب شيئًا فشيئًا حتى تُدقّ أبواب التعلّق...
ثم لا شيء،
لا ظل، لا وعد، لا رجوع.
ذهب كلُّ شيءٍ أدراج الرياح.
كم من الحمقى مرّوا بنا في ثوب الأهل، أو الأصحاب، أو الجيران، أو حتى المعارف،
يوسمون أعناقهم بعقيدة بشعة:
"لكل صُحبة زمان".
وكأنّنا أوراق مصلحة،
وحين تُقضى،
يتحوّل ملاك الودّ إلى وحشٍ بريّ!
كيف نعود أغرابًا؟
من سمح لقلوبٍ حاقدة أن تهزم أمانَ إنسان؟
اعذروني إن وصفتكم بالقُبح وفُجور العِشرة،
ولكن أخبروني:
أين ذهب اللين؟
أين التّسامح؟
سبحان من جعل بعضكم حصى تُرمى على جدار المحبة،
لا تُبقي فيه زرعًا ولا خلانًا.
لكن...
ليرضَ الله عنكم،
ويبدّل يَباسَ صدوركم زروعًا: صنوانَ وغيرَ صنوان،
ويُحيي ما طمسته ظلمات النفس،
فتنبت القلوب جنّاتٍ ذات أفنان.
دعونا ننثر على أرواحنا من كلّ فاكهةٍ زوجان،
نتذوّق حُسن الخلق،
ونختار جمال الفعل،
ونُحسن الكلام.
ولا تنسوا...
كلُّنا إلى زوال.