حين يتحوّل الوهم إلى يقين، والخديعة إلى عقيدة.
إنها لعنةٌ خفية، تصيب المرء حين يقع ضحيةَ كذبةٍ من بناتِ فكره،
كذبةٌ تُوافق أهواء قلبه، فيؤمن بها ويُبشّر، كأنها حقٌّ مطلق لا يُمَسّ.
والمؤسف أن أتباعه يُثيرون ذاك المسخَ الكذوب،
يناصرون قبحه، ويبرّرون جرمه،
بعذرٍ واهٍ يتردد كثيرا: "لقد مرّ بمشكلةٍ ما".
فلنكن واقعيين قليلًا...
ولنُبعد أنفسنا عن التطبيل وعن ساحات النفاق العامة،
فالمقامرة على أبواب المصالح تخطّت – وربي – عنان السماء!
تأمّل ذاك المهووس...
يُحبّ الآخر، ومع ذلك يجلده بذنوبٍ لم يقترفها،
بل نسجها خيالُه، وزيّنتها له زبانيةُ قومه.
يعاقبه على ذنبٍ لا علاقة له به،
ويُبغضه بوهمٍ اعتقده حقيقة، وهو في أصله سُقم نفسٍ وخواء عقل.
وقد تفشّى هذا الهوس في الأسر، كما يتفشّى الصدأ في الحديد.
في الغيرة... في المال... في العلاقات... بل حتى في البسمة!
تعدّدت الوجوه، والداء واحد.
كم من سليطٍ أشاع سرطانَ هواه، فأفسد الجمع،
فرّق الأهل، وبعثر الصحبة!
وكم من عقلٍ سقيمٍ تفشّى حتى غدت الاستقامة طيفًا باهتًا في سماء يملؤها الانحراف،
وصار الهواء معبّأً بدخان القلوب وفسادها الطاغي!
نحن في حاجةٍ إلى صبرٍ عظيم،
إلى مجاهدةٍ تُعيننا على التصدي لتلك الأوبئة الروحية الصدئة.
لكن – والله – يُجبرنا كبدُ الحياة على رفع الراية البيضاء...
فما عادوا شرذمةً قليلين نحتمل مجابهتهم،
بل غدوا قطيعًا حجَب نور شمس الحقيقة،
حتى آثرنا الوحدة، وأكرمنا خواطرنا بالاعتزال.
ربما لا مفرّ من الهجر الجميل...
حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا،
ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حيِيَ عن بيّنة.