كنتُ أجلس بجواره، أستدرج الموت، أستنطق ما بين يديه من حديثٍ يطمئن خوفي الطفولي المتصاعد.
لم يكن لي صوت، ولكن كان لديّ عمود فقري يئنّ بالألم كلما اشتدّ بي الفزع.
ظلت برودة جارفة تهاجم كل فقرةٍ منه، وتحت خط الارتجاف، كنت أرجو أن تنقذني يد...
يدٌ عُليا، أكبر منّي، ومن الكون، ومن الحدث، ومن الزمن.
لكنني لم أجد سوى ظلام العربة، وصوت السِّرينة الخارجية يُنذر الطريق والمارة والعالم وقلبي أننا بصدد نقل ثلاث جثامين:
أنا، وأبي الذي أكله المرض، وأمي التي سُحبت منها آخر لحظة شعور.
منذ ذلك الحين، وكلما تحدّث أحدهم في مدرستي عن الحفلات ومجالس الآباء، أصابُ بحيرةٍ شديدة: من ينوب الألم عني؟
فلا مجلس، ولا حضور.
وحينما يقف السكرتير المعني بشؤون التلاميذ ليجمع أسماء الأيتام لتخفيض المصروفات،
لم يقف لي جسد، لأنني كنت أرفض أن أصدق أن أبي قد مات.
حتى لحظةٍ معينة، نطقها القدر، وأصرّ الموظف أنني واحدة منهم، وأنني أول اسم في قائمة الأيتام.
تخلخلت أجزائي.
لم يفهم حينها أن رفضي لم يكن استهانة بعمله أو بوظيفته، ولا استخفافًا بقدرته على جمع البيانات الدقيقة.
لكن في تلك اللحظة. أتى هذا الغريب ليعيد تعريف الجُرح الدفين. انفجر داخلي كل ما كتمته لسنوات.
ومنذ ذلك الحين، لم أعد أنا.