ما أجمل أن تعيشي مع زوج يحبك بل بعشقك يفهمك من نظرة عينيك ..عشقته حتى ذبت وتحللت بداخل أعماق قلبه،وراق لي العيش معه وتلذذت بحياتى منذ ان عرفته ..نعم أنا أحبه وأفتخر به
هكذا قالت سها لنفسها ،واستطردت...اليوم عيد ميلادك يا أحمد فماذا أصنع لك كيف أسعدك اليوم كما تسعدنى أنت كل يوم وعلى مدار عامين كاملين منذ زواجنا؟
......وفى المساء
اكتست السماء بوشاحها الاسود تحتله بعض النجوم البراقه اللامعه ،وبعد انتهاء حفل الأصدقاء والأقارب
جلس الزوجين يتسامران ويلهوان كعادتهما
...لم تنته الليلة بعد
فلم يستطع أحمد النوم كعادته وقام فزعاً كدأبه كل ليلة على كوابيس وأحلام مزعجة تغزو حياته وتؤرقها
انتفضت سها مذعورة لتعطيه بعض الماء :
-ماذا بك ياحبيبي ..هل هى كوابيس كل ليلة
-نعم..لقد تعبت ويأست منها
-حبيبي أنت أفضل من رأيت فى حياتى ..شخص ناجح وخلوق ..تصلى وتقرأ القرآن وتحج كل عام وتغدق على الفقراء والمحتاجين وتحب كل الناس..فلماذا الأرق ولماذا الحزن الذى أراه بعينيك؟
-لا أعرف
-ما رأيك أن نتحدث قليلاً ..احكى لى عما يضايقك
-لا شئ ياعزيزتى..العمل يسير بانتظام ..لا أكره أحد ولا أضمر الشر لأحد وليس لى أعداء وعلاقتى بالجميع طيبة
-حسناً ..ما رأيك نتسلى بلعبة صغيرة معاً ..أسألك سؤال وتجيب بكل صراحة وأنت أيضاً تسألنى وأجيب ..بشرط..الصراحة المُطلقة مهما كانت وفى النهاية نحكم على أنفسنابالبراءة أو الادانه
-موافق..إبدأى انتى
-حدثنى عن طفولتك؟
-طفولتى كانت سيئة ..كنت أعيش ببيت عائلة كبير ..أبى وأعمامى وأولادهم..جميعنا فى بيت واحد ..كل صاحب أسرة له غرفة واحدة أبى وأربعة إخوة له..الأكل بحساب ودخول الحمام بالدور ..لقد عشنا فى فقر مُدقع..كثيراً ماتمنيت أشياءاً ولم أحصل عليها
-دورك أنت
-وأنتى ماذا كانت طفولتك؟
-عادية أب وأم متوسطين الحال وأخين يحبوننى ..أبى علمنا وربانا كأى أب ولم يحرمنا من شئ
-إسألينى أنتى
-اممممم..كيف وصلت لما أنت فيه؟
-كافحت وبدأت من القاع
-أنا أفتخر بك يا زوجى العزيز..إسألنى أنت
-أنا لا أستطيع التفكير ..أشعر بدوار شديد ..من فضلك إعطينى دواءاً للصداع
-تفضل ياعزيزى
وبعد قليل سألت سها:
-هاه..ما الحال؟
-أفضل بكثير
-هل تكمل اللعبة؟
-كما تريدين..لكن إسألى أنتى وأنا أُجيب
-وكيف عشت فى ظل تلك الظروف الصعبة؟
-ههههه..كنت أستغل الفرص
-كيف ؟
-آخذ حصة الغائب والمريض من الطعام وآكله بعيداً عن الجميع
-وتخون الأمانة؟!
-الظروف تحكم
-من هى سارة ؟ رأيت اسمها فى الحظر بهاتفك منذ شهور
-آها..انتى تبحثي بهاتفي يا لئيمة
-هههههههه..لا تغير الموضوع وأجب..ولا تنسي الصراحة
-إنها ابنه عمى..كانت تحبنى منذ ان كنا صغاراً وتدخر لى كل شئ مال وطعام لدرجة أنها كانت تسرق لى الطعام من المطبخ وتدخر مصروفها لتشترى به الكتب والمجلات التى أحبها وتهديها لى ،كان أحمد بالنسبة لها هو كل شئ وأهملت دراستها حتى أرغموها على ترك المدرسة
-ولماذا لم تتزوجها،وأين هى الآن؟
-خطبتها .لكن ظروفى لم تسمح،وتركتها قبل العرس بيومين وتزوجها ابن عمى الصغير المعاق ذهنياً منعاً للفضيحة ،وهى الآن فى ذمة الله.أصابها المرض اللعين وعانت كثيراً حتى ماتت منذ شهرين
تفاجئت الزوجة وثارت:
-وكيف لك أن تفعل ذلك ..هل هذا هو جزاءها
-إهدئى ..ظروف يا سها
-أي ظروف ..ولماذا لم تحاول استعادة علاقتك بأهلك حتى تتحسن الظروف؟
-حاولت كثيراً فهم يتهموننى بالسرقة والنصب
-لماذا ؟
-اقترحت عليهم أن يبيعوا أرضهم وشاركت بالأموال كلها فى مشروع،وكان شرطى ان يكون لى الثلثين من الأرباح مقابل الادارة وسجلنا العقود وبعد ان ربحنا أكثر من مرة خسرنا كل شئ والأرض هى كانت مصدر رزقهم الوحيد..إفترقت العائلة وتشتتوا ومات أبى حسرة وقاطعنى الجميع
-وأنت ماذا صار لك ياحبيبي؟
-اشتريت شقة صغيرة بالمدينة وبدأت مشروع بسيط ونجحت والحمد لله
-ومن أين أتيت بالمال؟
-من أرباحى ..كنت أدخرها أولاً بأول
-ما الذى أسمعه؟ هل تشاركهم الربح وتتخلى عنهم فى الخسارة ..أنت تفكر بأى منطق؟
-بمنطق التجارة..المكسب والخسارة
-بتلك البساطة..حسناً ..آخر سؤال..لماذا تزوجتنى؟
-لأننى كنت أحبك؟
-أنت لم تكن تعرفنى ولم ترنى سوى مرة واحدة وتقدمت لخطبتى يومها
-لا يا عزيزتى كنت أحبك منذ زمن بعيد
-كيف؟
-هذا سر
-أرجوك أخبرنى
-حسناً..كان محسن يحدثنى عنك كثيراً
-ما...ماذا تقول؟كنت تعرف محسن خطيبى السابق
-نعم..وكنت...
-لا تكمل..أنا عرفتك..نعم تذكرتك..أنت أحمد..الموظف المرتشي عديم الضمير ..كان محسن يحدثنى عنك كثيراً وعن مواقفك السيئة مع زملاءك ..أنت من وشيت به عند مديره وطُرد من عمله بسببك..أنت من فرقتنا
-لا...إنه القدر
-بل دناءتك وأخلاقك الفاسدة
-سها ماذا تقولين؟ أنازوجك حبيبك
ودنا منها قليلاً فصرخت:
-لا تلمسنى
-ماذا دهاك يا عزيزتى؟
--اتركنى..ليتنى مُت قبل هذا اليوم..لقد قتلت ابنه عمك قهراً ودمرت عائلتك وخنت الأمانة
-أرجوكِ لا تحملينى فوق طاقتى
-اتركنى ..سأرحل وإلى الأبد ..لا أطيق العيش معك
-أرجوك لا تتركينى..أنتى الشئ الوحيد الذى ينير حياتى بل انتى كل حياتى
-وأنت أسوأ وأبشع مافى حياتى ،والكثير مثلك يعيشون بيننا بوجوه بيضاء نقيه وقلوب سيئة وضمائر خربه
-أرجوكِ لا ترحلى وتتركينى وحيداً أتوسل إليك..أنا استغفر وأتوب فى كل لحظه ..الشعور بالذنب يقتلنى..اعطينى آخر فرصة
-إنتهت اللعبة..أنت مُدان أحكم الآن على نفسك
.......وتركته...وبعد يومين
عادت الزوجة بعد أن أرهقها التفكير،وطرقت الباب عدة مرات واتصلت به كثيراً. لكنه لم يُجب فسجلت له رسالة على الهاتف
-إفتح يا أحمد ..أعرف أنك هنا..كلنا مُدانون وكلنا أخطاء وأنت أصلحت من شأنك ..ليت غيرك يفعل مثلك ..افتح..إن الله يعطيك فرصة أخيرة ويُبشرنا بطفل قادم فى الطريق..نعم أنا حامل..افتح بالله عليك
خارت قواها وغلبتها دموعها فاستعانت بالجيران ..كسروا باب الشقة ليجدوه قابعاً بغرفته محاطاً بسياج من الحديد فقد صنع سجناً لنفسه وحرم على نفسه الطعام والشراب حتى زهقت روحه،وصاحت الزوجة والحسرة تملؤها:
-أنا من قتلته..أنا المُدانه
****تمت****