في داخلي طفلةٌ تأبى أن تكبر، تحتفظ بضحكتها كما يحتفظ الفجر بأول خيوط نوره، ترى العالم بعينين بريئتين، يركض النقاء في أزقة قلبها، تلعب بفرحٍ غافلة عن أثقال الحياة، تؤمن أن الأماني ستُزهر، مهما عصفت بها الرياح.
في داخلي طفلةٌ تُحب المطر كما تحب القصائد، تمشي تحت الغيم لا تخشى البلل، تجمع الأحلام بين راحتيها كالعصافير التي تجمع فتات الحب. تخبئ حكاياها بين الألوان، ترسم الدنيا بحبر الأمل، كأن الحزن لم يطرق بابها يومًا، وكأن العمر لم يُصرّ على أن يأخذ منها شيئا.
أنا طفلةٌ تُصدق الوعود دون أن ترتاب، تفتح قلبها للحياة كوردة تتفتح أوراقها لنور الشمس. تفرح بالأشياء الصغيرة، وتنبهر من ألوان الفراشات فتحاول اللحاق بها، تتمتع برائحة الكتب القديمة، لا تزال تؤمن أن الحكايات الجميلة تُكتب بالنيات الصادقة.
رغم أن الأيام تمضي، إلا أن هذه الطفلة تُصرّ على البقاء، لا تعبأ بالسنوات، لا تُصغي لصوت النضج الذي يُحاول أن يُقيدها. هي تعرف أن في البساطة حياة، وأن في العفوية سحرًا، وأن القلب الذي يسكنه طفل، لا يعرف كيف يشيخ.
مازالت تعيش داخل مدينتها الفاضلة التي صنعتها من وحيها، وقررت ألا تبرح مكانها أبدا.