يرهبني النسيانُ كلما وجدته يزحف نحوي ببطء كظلمةٌ تسدل ستائرها، محاولا محو ملامحَ وجهي من صفحاتِ الأيام، وإسقاطَ أجزائي في متاهةٍ لا نجاة منها. كيف للنسيان أن يكون حقيقةً، ونحن نحملُ في أعماقنا ذكرياتٍ عصيّةً على الزوال؟ كيف له أن يُبيدَ اللحظات التي صنعتنا، والأصوات التي كانت يومًا موسيقى لقلوبنا؟
يرهبني أن يأتي يومٌ لا أذكرُ فيه تفاصيلَ الأشياء التي أحببتُها، أن يبهتَ وجْهُ من كنتُ أراهُ النور، وتضيعَ الأحاديث التي كنتُ أحتفظُ بها كأسرارٍ مقدسةٍ، تتلاشى الدروبُ التي مشيتُها، كأنها لم تكنْ يوما جزءا مني. هل النسيانُ حقًا عدوٌّ أم رحمةٌ؟، هناك أمورٌ تستحق أن تندثرَ في غياهبِ النسيان، وجراحٌ لا ينبغي أن تظلَّ ندبةً في القلب، لحظاتٌ لا تستحقُّ أن تبقى شاهدةً على وجعٍ مضى.
وهناك ذكرى أتمسك بخيط نورها لأعبر عتمةٍ الأيام دون أن أغرقَ فيها. أُفضّلُ أن تحرقني الذكرياتُ على أن يلفني جليدُ النسيانِ البارد، لأنَّ ما ننساهُ قد يضيعُ للأبد، وما نتذكرُه يبقى، ولو كان في زاويةٍ بعيدةٍ من القلب.
فهل النسيانُ موتٌ آخر، أم حياةٌ جديدةٌ بلا ماضٍ؟