الأمومة غريزة من رب العالمين, تاجٌ من نورٍ يُكلل قلب الأم التي تمنح للحياة معنىً آخر بحبها الذي لا ينضب، وحنانها الذي لا يعرف حدودًا.
أما في عصرنا الحالي الذي تغيّرت فيه الموازين وامتزجت الحقائق بالأقنعة، لم تعد الأمومة مجرد علاقة تحمل طهر العطاء أو نبعًا من الحنان. فقد ظهرت بعض الصور الباهتة للأمومة، التي تفتقد لجوهر التضحية والإخلاص، فأصبحت في بعض الأحيان عنوانًا زائفًا، يحمل اسمًا بلا روح، وشكلاً بلا جوهر. فليس كل من أنجبت تُجسّد المعنى العظيم للأم التي قيل إن الجنة تحت أقدامها.
الأمومة الحقيقية هي نبض حياة، وشعلة تُضيء في الظلام، وسند لا ينكسر. إنها الأم التي تُضحي بصمت، تُنير دروب أبناءها بلا انتظار للمقابل، وتُلملم جراحهم بيدٍ دافئة وقلبٍ مفتوح. أما الأمومة الزائفة، فهي قشرة بلا عمق، كلمات تُقال بلا فعل، ووجود يخلو من الحنان.
في عالمنا اليوم، قد ترى من تخلت عن دورها كأم لأجل نزواتها، أو من غلبت ذاتها على حاجات أطفالها، أو من استبدلت الحنان بالمادة، فغابت الصورة الحقيقية للأمومة التي طالما كانت مرآةً للمحبة الخالصة والإيثار. لا تزال هناك أمهات عظيمات يُحتذى بهن، قمن برعاية أبنائهن حق الرعاية، لكن بيننا أيضًا من أطفأت مشاعل الأمومة في نفسها، فباتت تحمل الاسم دون أن تحمل الروح. فألقت بأبنائها إلى قارعة الطريق، أو تركتهم بعد انفصالها دون اهتمام.
الأم التي تكون الجنة تحت قدميها ليست من تُمنح هذا المكان بلقبها، بل بأفعالها. هي من تُغرس الطمأنينة في قلوب أبنائها، تُنبت في أرواحهم الأمل، وتُحيطهم بدعائها في كل حين. هي من تُصبح ظلًا يرافقهم في النور والظلام، حتى وإن تعبت أو انحنى بها الدهر.
فالحياة لا تُكافئ على الألقاب، بل على الصدق في العطاء، والإخلاص في الحب، والتضحية التي لا تُقاس بميزان البشر. الأمومة الحقيقية هي التي تُعيد تشكيل العالم في عيني طفلها، وتجعل من كلمتها وعدًا لا يُخلف، ومن قلبها ملاذًا لا يضيع.
الأطفال هم نعمة ورزق من رب العالمين تستحق الشكر.