ماذا لو أغمضنا أعيننا، وأسلمنا أرواحنا للخيال، وعدنا صغارًا، خلعنا عن كواهلنا أثقال السنين، نفضنا عن أرواحنا غبار التجارب، رجعنا إلى تلك الأيام التي كانت فيها الأرض أوسع، والسماء أقرب، والأحلام بلا سقف؟
أغمض عينيك الآن، دع قلبك يركض حافيًا في مروج الذكريات.
ها أنت تجري في الأزقة الضيقة، حيث الجدران شاهدة على ضحكاتك، والأبواب نصف المفتوحة تهمس بأحاديث الجيران. ها هي الشمس تلهو بخصلات شعرك، الريح تداعب وجنتيك كما لو كانت أمًّا حنونًا.
تسمع صوت أمك تناديك من بعيد، فتتظاهر أنك لم تسمع، لأن المغامرة لم تنتهِ بعد.
هناك كنز مدفون تحت شجرة التوت، قلعة من الرمل تنتظر أن تُبنى على أطراف النهر. عالم كامل من السحر، لا يحتاج إلا إلى عصا خشبية كي يصبح سيفًا، وغطاء قديم كي يصير عباءة فارس مغوار.
تتذكر كيف كانت الأحزان قصيرة العمر، والدمع يُمسح بطرف كمٍّ، ثم يُنسى في لحظة. كيف كان الفرح بسيطًا، يكمن في قطعة حلوى، أو في طائرة ورقية تعانق السماء، أو في ضحكة صديق يشاركك أسرارًا لا معنى لها سوى أنها تخصكما وحدكما.
آهٍ، لو أن الزمن يتوقف هنا، والطفولة تبقى، لو أن الحياة لا تطالبنا بأن نكبر، نحمل المسؤوليات، بأن ننسى كيف كنا نطير بلا أجنحة.
لكننا كبرنا، ها نحن نغلق أعيننا لنعود، ولو للحظات، إلى حيث كنا أحرارًا، صغارًا، نقيّين كقطرات المطر الأولى.
لا تفتح عينيك سريعًا، دع الطفل في داخلك يتنفس قليلًا، دع قلبك يضحك كما كان يفعل يومًا، وروحك تتخفف من ثقل الأيام، ولو للحظة واحدة فقط.