فى يوم شديد الحرارة كنت فى طريق عودتى للبيت بعد يوم عمل طويل ومرهق ... وقفت السيارات فى إشارة أبو العلا على الكورنيش لفترة طويلة .. فقد كانت أزمة المواصلات على أشدهاا فى بداية الثمانينات ... فى هذا اليوم رأيت مشهدا هزنى ووجع قلبى .. شاهدا طفلا فى لعاشرة من عمره ملقى على ظهره أمام ورشة وصاحب الورشة ممسكا بقدميه بيد وفى اليد الأخرى سوط يلهب به قدمى الصبى .. صرخات الصبى تضيع وسط ضجيج الشارع وكل مشغول بحاله .. صاحب الورشة يتوقف قليلا ويلقى بماء بارد على قدمى الصبى ويأمره بالجرى على الأسفلت الساخن ثم يأمره مرة أخرى بالعودة إليه .. ليعاود ضربه .. ويبدو أن له خبرة سابقة بالموضوع من طفولته تعلم منها أن الجري يمنع إحتباس الدم فى القدمين ويصاب الطفل بغرغرينا تؤدى لبتر القدمين ويتعرض لمساءلة قانونية .. هكذا قلت لنفسى .. وقد يسألنى البعض : لماذا لم أحاول إنقاذ الطفل .. الحقيقة كنت جالسة فى أتوبيس مكتظ للغاية ولن استطيع النزول منه ولم أكن أمتلك سيارة فى بدايات حياتى .. ولاأستطيع ركوب تاكسى يوميا ذهابا وإيابا .. تحركت السيارات خطوات ورأيت مشهدا توقفت امامه مشدوهة : رأيت سيدة أجنبية تقف أمام محل مغلق وفى يدها كيس خبز (فينو ) وتقطع لقيمات من رغيف بالكيس وتلقيه لقط جائع محبوس فى المحل من أسفل الباب وظلت هكذا فترة طويلة .. حتى فتحت الإشارة ومشينا .. وأعتقد أنها أحضرت زجاجة مياه لتسقيه ... مفارقة عجيبة .. نحن نعذب الإنسان وننتهك حقوقه وهم يشفقون على الحيوان ... المهم قررت أن أفجر قضية عمالة الطفولة إعلاميا ... تجولت فى الأحياء الشعبية حيث تكثر الورش وراقبت معاملة أصحاب الورش للصبية .. لاحظت أن كل الصبية يتعرضون للعنف والإيذاء ولكن بدرجات مختلفة .. تعرفت على بعض الأمهات لهؤلاء الصبية .. ومن خلال حورات إذاعية إعترفن أنهن يعلمن ان صاحب الورشة يضرب الطفل .. إحداهن قالت وماله ده زى أبوه وبيعلمه الصنعة .. ولما قلت لها إنه لايعلمه شيئا ده مجرد مرمطون فى بيت المعلم وفى ورشته قالت مسيره يتعلم .. وأخرى قالت نعمل إيه أبوه عيان وراقد وعندى ثلاثة غيره صغار .. وثالثة كانت أكثر وعيا كانت تذهب لصاحب الورشة وتوصيه على ابنها بحق الجيرة .. وإذا الولد عمل مخالفة يقول لأمه وهى تتصرف .. وتحاول الأم أن تضغط على ابنها ليتحمل .. وتستجدى شفقة المعلم ... بعد أن عرفنا المشكلة كان لابد من البحث عن اسبابها وعلاجها .. الرحلة طويلة وتحتاج لأكثر من موضوع .. نتناوله على فترات حتى لاتسأموا منى ...