عندما بدأت تشتعل ثورات التحرر في الدول العربية، واحتفالها بسقوط الظلم الذي خيم عليها لعقود عديدة مريرة. ومع ذلك، لم تتحرر من العدو الحقيقي الخارجي الذي يتربص بها الدوائر.
وفرط أهلها في أوطانهم. بعد أن فشلت حكومات قد رضعت أفكارها من ماركس وداروين والعلمانية، ولم تنجح الديكتاتورية التي رسمها الحكام في استعباد العباد. كانت هذه الحكومات تتظاهر
بالديمقراطية وتنادي بالحريات، واستغاث المظلومين المعذبون بعدو غاشم للتخلص من حكمها الظالم، بدلاً من أن تسعى مع الحكام للإصلاح والنهوض ببلدانها.
وابتعد الناس عن الدين وأصبح الدين في حياتهم عاداة بدلاً من أن يكون عبادة التي تصلح الإنسان وتجعله يستقيم في حياته الدنيا، مما يهيئ له طريقاً إلى الآخرة لنيل رضوان الله والفوز بمغفرته، ثم جسرًا للجنة والخلود الأبدي.
وفي هذه الأحداث الكارثية، وما أصاب بلاد العرب من داء الضعف والوهن .
ففي المعبر الحدودي موقع وادي الأردن، في أيام الصيف الحار ، نزل أحد الخفرات، شاهر، من على برج المراقبة، وكانت الساعة العاشرة صباحًا.
توجه إلى مطعم قريب منه في المنطقة الحرة وطلب صحن كبدة سفري لشدة جوعه، ودفع سبعين قرشًا ثمن هذا الصحن. أخذ الصحن وعاد إلى برج المراقبة، وفي طريق العودة، حيث كانت الشاحنات مصطفة للتخليص، سلم على الحاج محمد، وكان يرقد بالقرب من شاحنته التي يعمل سائقًا عليها ومندوبًا.
فنادى عليه الحاج محمد بعدما استند ونهض، وقال له: تعال.
سوف أعطيك شيئًا ينفعك في هذه الأوقات.' فتوقف شاهر طائعًا للحاج محمد، وفتح الحاج محمد، وإذا به يفتح برادًا بداخله مكعبات ثلج.
فأعطاه مكعبات الثلج، وقال له: ضعها في براد الماء لديك، لتشرب ماءً مثلجًا يخفف من حرارة الصيف الشديدة. أنت أفضل من أولئك الأنجاس والكفار. فقال له شاهر: من تقصد يا عم؟ فرد الحاج محمد: الأمريكان. نحن نريد أن نرسل هذه الشاحنات المحملة بالثلج والأغذية إلى العراق بعد أن نحصل على تأشيرة الدخول من أبناء القردة والخنازير والأفاعي. فقال شاهر: لماذا يا عم؟ فقال الحاج محمد: حتى يجاهدوا في سبيل الطاغوت والشرك ويدعون للباطل، فالصيف حار ولا يتحمل الأمريكيون حرارته
أولاد الأبالسة.
فشكر شاهر الحاج محمد.
ولما جاء دور الحاج محمد ليدخل ويجتاز الحدود ليحصل على الموافقة، وتمر شاحنته دون معارضات أو مخالفات أو مطالبات، ذهبت شاحنته مع الشاحنات التي تتجه نحو العراق، وليس لأهل العراق ومساعدتهم، بل لمن يقتل في أهل العراق ويقاتلهم. وفي أثناء انتظار الحاج محمد لدوره، كان صوت الأذان يصدح من جهة الأردن، فما كان من الحاج محمد إلا أن فرش سجادة الصلاة التي ترافقه في سفره وترحاله ليؤدي صلاة الظهر. وإذ امرأة تشبه الغوريلا، ورأسها شبيه بالخنزير، بعيون الأفعى وأذنيها أذن الفيل.
تقول له : أسمع خبيبي، هنا لا توجد صلاة هناك الصلاة في الأردن. وكانت هذه المرأة تعمل لدى عصابة المحتلين الغاصبين في إسرائيل.
فلم يسمع الحاج محمد كلامها وجرأتها في خبثها. فكثير من الأعداء ومن بني جلدتنا يكون جريئاً في خباثته ونفاقه. فكن أشد منه جرأة في الحق كالأسد، وتابع الحاج محمد صلاته، وما إن أنهى صلاته وسلم عن يمينه وشماله.
وكان بجوارها رجل أشد منها بشاعة، وجرأة في الخبث والنجاسة.
فقال للحاج محمد بعدما أنهى صلاته، وهو يدعو على المحتلين: اللهم انصرنا على المحتلين الغاصبين، اللهم انصرنا على هذه العصابة التي أفسدت في الأرض، اللهم طهر المسجد الأقصى من براثن الأنجاس. فلما سمعه هذا الرجل، وقف فوق رأسه وقال له: خبيبي، ادعُ ما شئت وما استطعت، فلن تفلحوا، ولن يعود المسجد الأقصى، ولن يدخل المسلمون القدس
منتصرين.
حتى يكون عدد المسلمين في صلاة الفجر مساوياً لعددهم في صلاة الجمعة، وتمتلئ المساجد بصلاة الفجر كما تمتلىء بصلاة الجمعة.
عندما سمع الحاج محمد كلام هذا المحتل المفترس، تدفقت الدموع على وجنتيه، وأنفاسه تدعو الله وتناجيه بخشوع وخضوع أن ينصر الله الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يرفع الله كلمة التوحيد في بقاع الأرض.
وقد تجول الحاج محمد في أرض الرباط وحاراتها وأزقتها، وإذ به يسمع صوت تلاوة القرآن ودروسًا ومحاضرات توهم السامع أنها بلاد إسلام وأهلها مسلمون مؤمنون.
فاتبع مصدر الأصوات فوجد قاعات فيها رجال طويلو اللحى يلبسون دشاديش، يخوضون في كلام العلماء السابقين كما يشاءون تحريفًا وتخريفًا.
وكان يتبعه متسللٌ لواذًا ذلك المحتل كوحش مفترس.
فشاهد هذا المحتل الحاج محمد مندهشًا مذهولًا من هول ما يسمع ويشاهد.
فقال له بسخرية واستهزاء وهو يبتسم:
خبيبي، لا تظن أن الإسلام انتشر في هذه البلاد.
ما تسمعه وتشاهده إنما هو من مخططاتنا.
لنخرج لكم شيوخنا ومفتين على (السوشيال ميديا) ومواقع التواصل الاجتماعي.
يفتنونكم في دينكم، ويشككونكم في عقيدتكم، ويحطمون مذاهبكم الأربعة. يشككونكم فيهم وفي اجتهادهم. نفتح الباب للمسلمين ليجتهدوا، ونجعل دينكم فوضى، ونصنع صراعات بين مذاهبكم لتحصل بينكم فُرقة ونعرات وعنصرية وإقليمية. يكون الشيوخ الذين نخرجهم قدوات لكم حتى نستطيع السيطرة على العرب والمسلمين.
فالقاعدة عندنا: (فرق تسد).
لنحقق أهدافنا التي نحلم بها منذ مئات السنين، حلم أجدادنا: (حدودكِ يا إسرائيل من الفرات إلى النيل).
فلما علم الحاج محمد حقائق العدو المحتل الغاصب للأوطان والأديان، وقاتل الإنسان، وسارق الأحلام، ومحرق الأمن والسلام، والذي يعيث في الأرض فسادًا للعباد، ضاقت عليه نفسه والأرض بما رحبت، وتمنى لو أن الأرض انشقت وابتلعته من هول ما علم من حقائق عن طغيان عصابة الغاصبين المحتلين. عاد إلى الحافلة بعد أن أخذ قسطًا من الفسحة قبل السفر إلى العراق، وكانت هذه الفسحة تعتصر بالألم على بلاد العرب والمسلمين وعلى أهلها مما يخطط له المحتلون الغاصبون.
وكانت أنفاس الحاج محمد تبكي وتنوح، متمنيًا من الله النصر للمسلمين والإسلام.
وأن يجمع الله شمل العرب والمسلمين على كلمة واحدة.