اسمعوا وعوا، يا بني أمي، مقالي
فإني إلى غيرِ ديارِكمُ الراحلِ
أن يفقدَ المرءُ كرامتَهُ في ملإٍ
عليهِ الرحيلُ، وإنْ أقامَ بمعزلِ
وفي الأرضِ سَعَةٌ لعزيزٍ كريمٍ
لهُ بينَ كرامِ القومِ مُحتفلِ
لا يهلكُ الحرُّ من جوعٍ إذا صبرَ
وكلُّ منيةٍ أمرُها مُؤجَّلِ
يهزُّني تبديلُ عاداتِ أهلي
ويرضونَ أن يلبسوا ثوبَ النذلِ
إنْ يَكُ الحرامُ في الزمانِ مغنمًا
فالحلالُ عندَ القومِ مُرٌّ حنظلِ
إذا نطقَ المرءُ بالصدقِ والحقِّ
جموعُ النفاقِ عليهِ قامتْ تُقاتلِ
ماتَ الجهادُ، وسادَ العدوُّ ببلدةٍ
ودَرَسَ الدهرُ معالمَ البطلِ الأَوَّلِ
فراشُ الكرامِ باردٌ، وطعامُهُ
مُرٌّ، وفيه الصدقُ غيرُ مُقَبلِ
بطني خِماصٌ، ونفسي تستكينُ
أخافُ من سمنٍ بداءِ مُزلزلِ
ما تجشَّأَ فمي من طعامٍ قطُّ
وبنو أمي مع الأعداءِ تُماثلِ
خدمتُ القومَ حتى صِرتُ عبدًا
فخلفوني على ذُلٍّ وأرذلِ
أُجاهدُ في نفاقِهمُ، وعيني
ترى الحقَّ حينَ القومِ لا تَعدلِ
عند أول فرحةٍ، تباكوا جميعًا
وتعرّوا من الحياءِ بأولِ الجدلِ
لا عيد يُسعدُ من بهِ ألمٌ مقيمٌ
ولا النفسُ تسعدُ وأن تراءى الأملِ
عشرونَ عيدًا، ولم أذقْ فرحتَها
وهجرتُ كلَّ اللقاءاتِ والمحفلِ
سترتُ نفسي خلفَ جدرانِ أسًى
والدمعُ في الخدَّينِ باتَ يُهلِّلِ
جمعتُ من حزني ثيابًا باكيةً
مرقَّعةً بالعبراتِ، لا تَغتسلِ
خبّأتُ آمالي بليلِ مودّةٍ
لعلَّ صباحَ الحُبِّ فيهِ يُكمَّلِ
صاحِ، إنَّ الأفراحَ قد ملأتْ حينا
وشمسُ السعادةِ في الدروبِ تُجَمِّلِ
قلتُ: ستمضي ولن تجمعَ قلوبًا
ولا شمعةً للفرحِ سوفَ تُشعلِ
ستمطرُ الأيامُ سعدًا ومأساةً
سعادُهمُ، والمأتمُ لي مُفصَّلِ
وفي الأرضِ مآسٍ تقشعرُّ لها
القلوبُ، حتى الفولاذُ لا يحتملِ
كأسُ السمومِ أحبُّ لي من ذلةٍ
أعيشُ بها بين البشر مذلولِ
صاحبُ كلبٍ يوفيكَ إن صاحبتَهُ
وطعناتُ أشباهِ الكلابِ تُزَلزِلِ
يا جابرَ الهمِّ، داوِ القلبَ منكسِرًا
قد هدَّهُ البؤسُ، والأحزانُ تشتعلِ