أبو كمال يعاني من جنون مطبق، حيث يفيق أحيانًا ويجن أحيانًا أخرى. وعندما يفيق، يتصرف كتصرف العقلاء، ولكن في لحظات جنونه، يتصرف كالمجانين. هو موظف في البلدية، نظرًا لحالته الإنسانية ورأفة بزوجته وأبنائه الصغار، لأنه المعيل الوحيد لهم.
في يوم من الأيام، ذهب برفقة أخيه لمراجعة له عند دكتور نفسي، لصرف أدوية تخفف من حدة مرضه عندما تأتيه نوبة جنون، لتساعده على تهدئة حالته. لكن الدواء الذي يرغب أخو أبو كمال في صرفه لا يمكن الحصول عليه إلا بناءً على تقرير مصدق من دكتور نفسي.
فلما دخل أبو كمال هو وأخوه على الدكتور، سأله الدكتور بحضور أخيه: قل لي يا بني، بماذا تشعر عندما تأتيك النوبة؟ فتحدث أخوه معلقًا على حالة أبو كمال، فقال: يسير وهو نائم عند منتصف الليل ويتوجه إلى المطبخ، فلا يدع صحنًا ولا كأسًا ولا ملعقة على حالها، بل يجعل أواني المطبخ وأغراضه (كومًا) فوق بعضها البعض، ويكسر زجاج شباك المطبخ.
وفي الصباح، عندما تسأله زوجته أو يسأله أحدنا، يقول لنا: لست أدري من فعل هذا. وأحيانًا يصرخ ويقول: ربما أحدهم يريد أن يسرق، فخاف وهرب فكسر الزجاج.
ولكن الدكتور أراد أن يسمع من أبو كمال حتى تتضح له حالته الصحية، ليجمع الأقوال حولها، ثم يعطي النتيجة لأخيه ليصرف له الدواء المناسب. فسأل الدكتور أبو كمال، فقال له: 'أخبرني، يا أبا كمال، عن وضعك.'
فقال أبو كمال: لقد وجدت عُشَّ ضبع في الحقل تحت كومة القش، تحت شجرة البلوط. يوجد فيه أربع بيضات. عندما ترقد عليه أنثى الضبع (أم عامر) وتخرج (الفرغل) صغيرها، سأتيك بفرغل من صغارها الأربع لكي تركب عليه، ويطير بك عندما يصبح له جناحان، وتقضي حاجتك ويوصلك للمرضى ولأي مكان تريد أن تتوجه إليه بسرعة البرق ويُسهل عليك الأمور، قال الدكتور لأخيه: أقدر حالة أخيك بأنه مجنون عشرة على عشرة (10/10) مجنون، وسوف أكتب لك بناءً على هذا التقرير المصدق من قبلي أن تصرف له الدواء من أي صيدلية دون أن يكون هناك مانع من صرف الدواء. خذ هذه الوصفة واذهبَا بالشفاء إن شاء الله.
ورجع أبو كمال وأخوه إلى البلدة، حيث كان أبو كمال يعمل كعامل وطن في البلدة التي يسكنها. يعمل من وقت الصباح حتى وقت الظهيرة، وعندما ينهي عمله يستحم ثم يرتدي البدلة الرسمية، وهي بدلة العرس التي ما زال يلبسها للمناسبات وللقاء الناس في البلدة. يجلس أمام دكاكين البلدة، وفي إحدى جلساته، طلب منه أحد العارفين بحالته النفسية أن يُسمع الموجودين ما يحفظه من أغاني. فقال أبو كمال:
بالساحة التقينا بالساحة
عليها جوز عيون شو ذباحة
قلتلها يا حلوة بوسيني
قالت بالبيت موه بالساحة
فضج المكان بالضحك من الحاضرين.
وكان يضع رجله اليمنى على اليسرى، ويحرك رجله اليمنى، ويضع يده على خده، وينفث بيده الأخرى دخان سيجارة بعنف ونهم. ثم قال: للموجدين الذين في الدكان، سأحكي لكم قصة أم كلثوم وفارس عوض. فسأله الحاضرون: ما هي يا أبا كمال؟ فقال: لما التقى فارس عوض بأم كلثوم في القبر، قال لها: أنت التي تغني 'الهوى غلاب'. فردت عليه: أنت الذي دعسك القلاب. فضحك الحاضرون، وكان بعضهم يشير إلى بعض بأن أبا كمال قد دخل في نوبة جنونية، حيث كان أحدهم يضع يده على رأسه ويلوح بها دلالة على وصول أبو كمال لحالته الجنونيه. وكان أبو كمال يقلد صوت المطرب فهد البلان
ويقول لهم إن صوته رائع، وكان يغني لهم. ركبنا على الحصان، وكان يغني وهو يدور بين الحاضرين، راكبًا على عصا (قشاطة) ليُشعر نفسه أنه فوق حصان، والموجودون قد ذابوا من الضحك، وتجاوز حدوده عندهم.
وقال لهم: اسمعوا هذه الأغنية بعد أن أستراح من إرهاق التعب والمطاردة، وكأنه راكب على فرس. فبدأ يغني لعبد الحليم زي الهوى ويغير في كلماتها.
وفي عز المنام، صحتني المدام، وأتريني ماسك الغطاء بيديه، ماسك الغطاء.
وآه من الغطاء يا حبيبي، آه من الغطاء.
قَالَ لَهُ أَحَدُهُم: لِمَن هَذِهِ الأُغْنِيَة يَا أَبَا كَمَال؟ فَقَالَ: لِعَبْدِ الْحَلِيم 'زِي الْهَوَى'. فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ هَذِهِ الأُغْنِيَة لِكُوكَبِ الشَّرْق أُمَّ كُلثُوم. وَطَبْعًا، أَبُو كَمَال كَانَ يُغَيِّرُ الْكَلِمَات عِنْدَهُ، فَهِيَ أَسَاسِيَّةٌ فِي مَا يُغَنِّي. فَقَالُوا لَهُ: سَمِعْنَا أَبَا كَمَال. فَقَالَ: إزَّاي إزَّاي إزَّاي أَوْصَفْلَك يَا حَبِيب الشَّاي قَبْل القَهْوَة، حَنَعْمَل شَاي يَا حَبِيبِي.
فكم كَانَ يَضْجُ الْمَكَانُ بِالضَّحِك الَّذِي كَانَ يَتَوَاجَدُ بِهِ أَبُو كَمَال!
على الرغم من الجراح والآلام والمآسي التي تسكن في داخل أبو كمال، إلا أن روحه كانت جميلة وكانت أيامه جميلة. كان يعالج آلامه ومآسيه بفكاهته المرحة وروحه الجميلة. كان يدخل السعادة في قلوب من حوله، فيخفف عنهم آلامهم وأحزانهم،
وكأن صاحب الجنون والمجنون وُلِد لترويض الناس.
ورحل أبو كمال، ورحلت روحه الجميلة معه.
ليتنا نحمل روح أبو كمال، وقلبه النقي الطيب، ومرحه الذي يملأ قلوب من حوله سعادة، ووجوههم ضحكاً وابتسامات، نطهر فيها أحزاننا ومآسينا وآلامنا.