دخل الاستاذ المربي غرفة الصف الثالث ابتدائي بعد أن مكث على الباب يتحدث مع زميله وقد ضيع عشرة دقائق من حقهم في الحصة
فدخل الصف وسلم على الطلاب والأبتسامة على شفتاه وفي وجهه غمزاتين يلبس البدلة الرسمية فقال لتلاميذه ماهو درسنا اليوم فقالوا
له نص من سورة يوسف فجلس على الكرسي ووضع المصحف أمامه
وقال :
للتلاميذ افتحو على النص في الكتب من أي أية فقالوا
من اولها يا استاذ
فقال تبعو معي
واستمعوا لقوله تعالى
( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
ومن يحاول أن يشوش ويزعج ويحاول صنع فوضى أو ضوضاء سوف أقوم بتاديبه
ضربا أو سوف أضع القلم بين أصبعيه أو اجعل طلاب المقاعد الأمامية يمسكون به وأقوم بضربه على قفاه أو اجعل وجهه باتجاه الحيط رافعا أحد قدميه ويديه للأعلى
وكانت هذه أساليب التأديب في المدرسة
فخاف الطلاب بعد هذا الخطاب التأديبي التهديدي والتزموا الصمت فقرأ الاستاذ من أول سورة يوسف وكان يقلد صوت عبد الباسط عبد الصمد وكأنه هو وكانه سرق بصمة صوته
أو توأم للشيخ القارئ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله ورضي الله عنه
وبعد أن أنهى قراءة جيدة بأحكام التجويد ومخارج الحروف
طلب من الطلاب أن يقرأ كل طالب من خمس إلى عشرة آيات وأنه سوف يختار عشوائي ليرى كيف يقرأ كل طالب بأحكام التجويد ومخارج الحروف كي يصصحح لهم القراءة ويعرف قدراتهم بتطبيق إحكام التجوبد
وقبل انتهاء الحصة بعشرة دقائق قال هذا الاستاذ للطلاب اسمعوني قليلا
أريد من كل طالب أن يقوم بدعوة ابوه حتى أقابله وأتعرف عليه فأنا أحب العلاقات الاجتماعية ومن منا لا يحب العلاقات الاجتماعية مع الناس وأريد من كل واحد منكم أن يأتي لي بعض الأطعمة البلدية وخاصة تلك الأعمال اليدوية الزبدة واللبنه والجبن أو أن يحضر فول بلدي أو فاصوليا بلدية بصل بلدي بيض بلدي ومن لا ياتي لي بأي شيئ
من هذه الحبوب او الخضروات او الطعام البلدي
الشهي ومن لا يدعو أبوه حتى يقابلني فلن ينجح في هذه السنة وسوف يرسب ويعيد الفصل وعدا مني ولو حصل علامة مئة هل تسمعون ما أقوله لكم وتعون ما أمركم به فرد الطلاب نعم يا استاذ نسمع ونعي ما تقوله لنا إلا طالبان وهم عيس ويوسف فلم يعيرون أي اهتمام لكلام الأستاذ ولم يلقون بألا لما يقوله استاذهم من شروط فكل طالب قد جاء والده لضيافة استاذه
وقد جاء قبل دعوة والده بطعام للاستاذ وبعضهم من جاء له بما تنبت الأرض من الخضراوات والنباتات البلدية
وأصبح الاستاذ يتحدث مع أولياء الأمور ومع الآباء ويبني علاقات اجتماعية لاسيما وأن الاستاذ من قرية مجاورة لهذه القرية التي يُدرّس فيها
إلى أن جاء دور عيسى
فقال لوالده أبي لقد طلب مني الاستاذ أن ادعوك لتقابله يريد أن يتعرف عليك
ويريدك في المدرسة
فقال له أبوه ماذا فعلت يا ولد هل أخطأت أو قصرت في دراستك
فقال عيس:لا يا ابي أنه يريد أن يتعرف عليك
فقال: والده أسمع يا عيسى قل لاستاذك أن أبي ليس لديه وقت ليتعرف عليك
فقال عيس سوف ارسب يا أبي وقد وعدنا الاستاذ من لم يأتي بأبيه سوف يرسب وكل طالب لايأتي بأبيه سوف يعيد الفصل الدراسي
فقال أبو عيس ولو رسبت (هل انت كاين بايقها) يا بني هو (القاري والخاري واحد)
وقد كسر أبو عيس بخاطر ابنه من هذه المحاضرة التي سمعها من أبوه التي تعكر صفو ماء زلال وتحطمت الآمال والأحلام في قلب عيسى وقد كان والد عيس يعطيه مصروف المدرسة قرش في الوقت الذي كان ريعانه من الطلاب كانو ياخذون مصروف عشرة قروش
وكان إذا انتهى دفتر وفي آخر السنة يقوم أبوه بمحي الدفتر كاملا وإعادته من جديد بصفحاته البيضاء ليكتب عليه في السنه الجديدة وإذا كان القلم بحاجة لبري وتسنين جاء بسكين أو مشرط ويأتي على رأس القلم ويبدأ ياخذ من جوانبه حتى يصبح له رأس مدبب هذا بقلم الرصاص ويقول له خذ لقد بريت لك القلم أما قلم الحبر فهو محرم على عيسى
وقال له قل لمعلمك ولاستاذك أن أبي ليس لديه وقت فراغ مشغول في الحقل بالزراعة وفي تربية الماشية
أما أبا يوسف فقد كان له دكانة في القرية فقال أبو يوسف
(عال والله أترك رزقي ومالي واذهب لاستاذك) لكي يشبعني كلام وحكي فارغ وفاضي هذا معلمك فاضي لحاله
فقال له يوسف لكن يا أبي
أذا لم تاتي سوف أعيد السنة الدراسية وسوف ارسب ولن أنجح والحق بزملاىي ورفاقي فقال أبوه بالناقص منك ومن معلمك اتركه يُرسبك مرة ومره وماذا ستصبح هل ستكون دكتورا والناس كلها مريضة وتنتظر حضرتك لما تعالجهم أم مهندس معماري
وحضرتك بناء جامعات ومستشفيات
أم طيار والنقل الجوي يعتمد عليك
آخرتها تجلس في البيت( أكل ومرعى وقلة صنعة)
وقد خيم الحزن على يوسف من محاضرة أبوه التي تسم البدن وجعلته يسير للخلف في حياته ولا ينظر إلى الأمام والمستقبل
فلما سالهما الاستاذ عندما جاء دور عيس ويوسف عن سبب عدم مجيئ والديهما فقالا عيسى ويوسف للاستاذ أن والدينا ليس لديهما وقت أنهما مشغولين في العمل في الحقل بالزراعة وفي تربية الماشية والابقار وفي التجارة
فقال لهم الاستاذ سوف يرسب كل منكم ويعيد السنة الدراسية الثالثة وبنفس الصف وبنفس المقعد لقد اخبرتكما بذلك فذنبكما على جنبكما قد أعذر من انذر وبعد انتهاء السنة الثالثه لصف ثالث ابتدائي وبعد أن أجريت اختبارات المدرسة وصدرت النتائج كان عيسى ويوسف قد بقي كل منهما في نفس الصف وفي نفس المقعد وفي نفس المكان كل واحد منهم بوجه الآخر وقد عاد عيسى ويوسف لأبويهما وقد اخبراهما بأن الاستاذ قد نفذ ما وعد به ويرجو كل واحد منهما أن يذهب يقابل هذا الاستاذ خشية أن يرسبهما سنة أخرى
أما عيسى فقد جاء لوالده للمرة الثانية بعد أن أخبره بأن الاستاذ قد وفى بوعده ورسبه في هذه السنة وجعله يعيد السنة الدراسية فقال يا ابتي يا ليتك تأتي معي إلى المدرسة لتقابل المعلم ليتكلم معك ويتعرف عليك
فقال له أبوه هو معلمك يريد أن يتزوج ويبحث عن عروس له قل لي ماهي قصة معلمك هذا يا ولد أم أنه يريد أن يرشح نفسه لانتخابات المجلس النيابي مجلس الأمه أو للبلدية ليكسب أكبر عدد ممكن من الأصوات وهل تريد مني أنت ومعلمك أن أترك الزرع والضرع ورزقنا واذهب لعلك الحكي مع معلمك
هذا استاذ لاشك أنه يصلح لعلك الحكي كالنسوان لا لن اذهب معك يا بني اعتذر
فقال عيسى يا أبتي سوف يرسبني مرة أخرى في هذه السنه فخرج عيس من عند أبيه مكسور الخاطر كالطير الحزين ولكن المعلم لم يرسب غيرهما في الصف لأن ذنبهما وجرمهما وخطيئتهما أنهما لم يحضر كل واحد منهم والده ليقابل الاستاذ وفي بداية العام الجديد والسنة الدراسية الجديدة درس عيس ويوسف في الصف نفسه مع طلاب أصغر منهم أما أقرانهم فقد ترقو لسنة دراسية رابعة وترفعو للصف الرابع فجلس عيسى ويوسف في الفرصة (الفسحة المدرسية) فقال عيسى ليوسف ألا ترى أن استاذ عارف فيه مس من الجنون كيف يطلب منا أن يأتي كل طالب بأبيه ليبني علاقات اجتماعية ويربط علاقاته الاجتماعية بمصيرنا ومستقبلنا ونجاحنا وكيف أنه دمرنا هكذا وجعلنا في مأساة وحزن وكآبة
أنه لايخاف الله
فقال يوسف أنه لايخاف الله فمن لايخلف الله خاف كل شيئ ومن خاف الله خوف الله به كل شيء
فاتركنا منه أنه بحق لايستحق أن يكون مربي ومعلم لأجيال أنه لا يؤتمن على قطيع أغنام
وبعد مدة من الزمن أكمل عيسى تعليمه الجامعي وأصبح معلم وبنفس المدرسة التي يعلم فيها استاذ عارف وأصبح زميله في التدريس
اما يوسف فقد جاءت سيارة التجنيد بالعسكرية للمدرسة لآخذ من كان لديه رغبة بالخدمة العسكرية فقرر يوسف الذهاب معها ويختصر الطريق
وياخذهما من قصيرها
وقد أصيب بعدها استاذ عارف بفشل كلوي وادخل المستشفى وفي العناية المركزة فجاء عيسى لكي يزور زميله في المستشفى فقال له يا استاذ أتعلم لما أُصبت بهذا ولماذا انت هنا في المستشفى هل تتذكرنا أنا وزميلي يوسف في الصف الثالث ولكن بعد قضاء الله
وقدره لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا لقوله سبحانه وتعالى
(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
ألا تتذكر يا استاذ أيام كنا في الصف الثالث أنا وزميلي وطلبت منا أن يأتي كل واحد منا بوالده فلم استطع انا وصديقي يوسف
أن نقنع والدينا بأن يحضرا لأنهم مشغولين بالتجارة والزراعة وتربية الأغنام وجلب الرزق لأبنائهم لان كل واحد منهم في رقبته عشرة نفر وقلتَ وتوعدتَ وهددتَ من لم يحضر والده سوف يرسب ويعيد السنه فضيعت علينا سنة كاملة من أجل علاقاتك الاجتماعية فانظر إلى حالك فأسأل الله لك الشفاء العاجل لم أتي لكي اتشفى بك أو ازدريك أنما جئت لادعو لك بالشفاء العاجل ولكي اذكرك بهذا الموقف الذي سبب لي ألم وأسى لم تشعر به أنت ولم تهكل همي وهم صديقي يوسف الذي كره الدراسة والتحق بالعسكرية وأخذ الطريق من قصيرها فما أن أصبح بالصف العاشر اذ جاءت سيارة للجيش تطلب من يريد أن يتجند بالعسكرية فركب معهم وأصبح في الجيش ولم يكمل التعليم لظروف أهله المادية
اذكرك بقوله تعالى سبحانه
(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ )
ولكن اسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيك
لاباس طهور أن شاء الله فقال له استاذه عارف سامحني لقد ظلمتك انت وصديقك يوسف فقال عيس سامحتك يا استاذ إن شاء الله تُشفى وتستعيد عافيتك ويكفر عن ذنوبك وانا مستعد يا استاذ لأي مساعده تطلب مني أن احتجت دم أو مال فانا جاهز