جلست إليها لعلني أجد في جلستها مايبدد وحشتي.صعب جدا على إنسان أن يجد ما يأنس إليه دون أن يخافه وكان هذا سر سعادتي بها.
بدأت عيناها تحدثني قبل شفتاها.رأيت في عينيها ماحيرني عن جد..بريق لافت للنظر.ظننتها سعادة غامرة..ربما عن ذكريات سعيدة عبرت إليها من الماضي أو حاضر مريح جالس على راحتيها أو مستقبل مشرق يسكن بين جفنيها.إلا إنني تراجعت فجأة وتغير شعوري بذلك البريق لعلها دمعة حائرة مترددة ثارت لتعلن حنقها خوفا من أن تخنق صاحبتها إلا إنها أبت أن تسيل كبر ياء ورفعة.أنفضت رموشها بسرعة لتلهيني عن عينيها وأحسست أني أطلت إليهما فبدأت أنا الكلام.
- حدثيني.. أجد عندك أشياء كثيرة تخفيها عني..ترى ماهي؟
- وماذا يضيرك بتلك الأشياء طالما أخفيها عنك؟
- أشعر إنها تؤرقك وبالتالي فهي تؤلمني.
- وماذا ستفعلين إذا عرفتي مايؤرقني ياعزيزتي؟
- سأحاول مساعدتك بشتى الطرق بالطبع..أنت تعرفين مدى المعزة التي أكنها لك.
- مسكينة..تحاولين مساعدتي وفي الأصل أنت التي تحتاج إلى مساعدة.
- أنا؟أحتاج لمساعدة.. لماذا؟
- أتحاولين الكذب علي؟إن النار التي تشتعل داخل صدرك واضحة تماما ولاتحتاج لإعلان أو تفسير.
- أنا على مايرام ولايوجد شئ يتعبني قط.. ومرحة وسعيدة ومنشرقة و.....
قاطعتني قائلة:-
- لايليق عليك دور بهلوان الملك.. يكون محاطا بالمآسي من كل جانب ويضحك ليضحك من حوله.
- عدتي لوقاحتك مرة أخرى.
- ولماذا نكذب؟ على الأقل أنا أظهر وقاحتي كماهي..دون تزييف أو تجميل.كلنا نملك تلك الوقاحة ولكن نظهرها بدرجات متفاوتة..ها..من أجل المظاهر الإجتماعية.
- هذا حق
- وكذلك أنت ..تهربين من نفسك لتغرقي داخل إبتسامة من السعادة.تفرحي لكلمات مدح تظل معك لبضع ثواني ولن ينفعك ندم على مافاتك أبدا.
- وماالذي يجب علي فعله.
- أن تكوني شجاعة.
- أأنا جبانة؟
- نعم جبانة.. ووصل بك الجبن لدرجة لايمكنك حتى تصورها.أنا لاأفهم لماذا الإصرار على القيام بمهمة الشمعة التي تحرق نفسها سعيدة من أجل الاخرين.
- تقولين هذا لإنك لاتملكين أي شئ تخافي.. أما أنا فلدي الكثير مما يستحق الخوف والاحترام وعمل حساب كل خطوة أخطوها.
- أيضا من أجل المظاهر الإجتماعية؟من أجل الرفعة؟
- بالطبع.
- هراء..غن كل الأشياء التي تخافين عليها حبيبتي مجرد أوهام..أنا أمامك أفضل منك بكثير ..أنا الحقيقة وأنت مجرد سراب.
- كاذبة..أنا أطمع في الوصول لأعلى المستويات. وقد إحترمتك بشكل زائد عن حده وأهنت عقليتي للجلوس مع مثلك.
- ولماذا كل هذه الثورة؟أنا بالفعل أفضل منك لافي تلك النقطة.فأنا فتاة أسعى للحرية بمعناها الأصلي.أسعى للحياه بشكلها الطبيعي..أكتفي بطعامي وشرابي وملبسي..أبحث عمن يحبني وأحبه دون خوف أو قلق..دون قيود..
- ألم أقل لك أنك وقحة..أنا أجد نفسي في مدح الناس لي وفي الإرتقاء بين مجتمعي وأنت تبحثين عن المتطلبات الأولية للإنسان..إنك في منتهى التدني.
- بل هي الحياه البسيطة دون تعقيد والمتطلبات الأولية هي وحدها التي يعيش بها الإنسان بعد ذلك يفكر في الإرتقاء ..نعم أنا بلا خجل أستمتع بلذة الطعام..أبتسم إذا أردت .. أضحك وقتما أحب..أحب وأذوب في أنفاس رجل أختاره ويختارني ويلهب شعوري.. وعندما أصل لكل هذا سأرتقي قبل منك.بالطبع لن أقول إنك لن ترتقي ..بل سترتقي.. لكنك ستصبحين جمادا.. آلة صماء..أما أنا فسأفوز بإنسانيتي وعلمي.
- إنك قذرة.. هل تنكرين إنك فعلتي أشياء كثيرة حرام.
- ولم النكران؟
- إذن لماذا تحاولين الظهور بمظهر الملاك..المعلم الملقن.
سكتت قليلا ثم أجابت:
- أنا لاأحاول الظهور بذلك المظهر.فأنا لست ملاكا ولست شيطانة .أنا إنسانة بكل معاني الإنسانية..الخطأ والصواب..الضلال والهداية..بين حب الناس وحب نفسي..إنسانة تغرق في الوحل لترتفع برأسها للسماء طالبة الغفران من الله وأنا متيقنة منه..أما الذين يرتفعون ويرتقون وهم متبلدوا المشاعر حفاة القلوب لاينظرون أبدا للسماء وقد ظنوا أنه وصلوا لها.لا ينظرون إلا للأرض متلذذين بنظرات الحسد التي يرونها في عيون الآخرين.إنسانة تشعر بقيمة الصواب لأنها جربت الخطأ. تشعر برضا الله عنها لأنها عاشت غضبه عليهازإن لهثك وراء الصواب دائما وإخفاء مشاعرك وعواطفك المختنقة داخلك سيفقدك لذة الإستمتاع بالأشياء.أنا إنسانة تختار من تحبه ولايفرض عليها.
- أنا لم يفرض علي أحد.
- ولكنك في المقابل لم تختاري أحد..أو على الأصح لم تستطيعي أن تختاري أحد.لم تستطيعي أن تحبي وتدافعي عن حبك بعد.
- لم أجد الإختيار الصحيح بعد.
- بل لم تجدي نفسك أصلا.
- ولم تلك الإهانة الآن؟
- أنا لم أقصد إهانتك ولا جرحك.لكن تلك هي الحقيقة صدقيني.والآن جاء دوري لأسألك هل فعلتي شيئا حرام؟
- نعم فعلت ولكن....
- لكن تريدين إخفاء كل شئ من أجل المجتمع والناس ..إلخ أعرف ويدهشني حقا أن المرء يخجل من الجهر
بأخطائه مع أنه لا يخجل من فعلها ويكون راضي تماما عنها لمجرد الناس من حوله رغم أنهم يفعلون أكثر منه..عجبا.
- آآآ
- لاتقلقي.أنا لاأتهمك غطلاقا ولست بمفردك تفعلين ذلك.وددت فقط إظهار الحقيقة مجردة من أي شئ.وعندي الكثير ليس وقته الآن.
- أأنت البدائية المجردة من كل علم وثقافة ؟تغليبيني في الحديث
- من قال لك إني اقل منك علما ومعرفة وثقافة؟إني أماثلك تماما.ثم أن البدائية هي الإنسانة بدون أي ضغوط على مشاعرها.أخطئ وأنتظر الصفح دائما..أفعل ما أريد دائما وبمجرد شعوري بسوء خطوتي أتراجع دون خجل ودون أن يجبرني أحد على التراجع.أحب وأعشق وأستمر في حبي رغم العواصف لو مقتنعة بصحته.إني أقول لك بأعلى صوتي أنت جبانة.. جبانة
- أنت ملعونة..ملعونة
- أنا أقول الصواب.إبدئي من نفسك..بعدها انظري لمن حولك يا أجبن من رأيت ..حتى لو رأيتي الجبن في عيون الناس أجمعين..كوني شجاعة.. تعلمي الشجاعة... أوف أنت مملة
وهممت بتركها غاضبة حانقة إلا إنها طلبت مني الإنتظار برهة قائلة:
- إسمعيني..أنا أحبك جدا ولايوجد من يحبك أكثر مني.. وأتمنى أن تحققي معادلة قلما عجز عنها أناس كثيرون... تمنياتي بالسعادة والإنشراق وأرجو أن تبتسمي.
فإبتسمت فعلا
ونهضت من أمامها متفائلة
من أمام مرآتي
تمت