اتخذا سبيلهما في الحي على غير هدى سلكا الحارة الضيقة التي ضمت طفولتهما وصباهما كرحم الأم يضم جنينه بقسوة ليقذفه إلى حياة جديدة تمنيا أن يخلقا من جديد، استقرا على طاولة في مقدمة قهوة شعبية يستريحا من أثر السير والبحث الشاق عن عمل جلسا فوق الكراسي الباهتة يراقبان المارة بصمت اعتادا استكاك الكؤوس ودوران صبي القهوة حول الزبائن للخدمة أو لجمع الطلبات "أيوا جاااااي" يرددها دائما حتى لو لم يستدعيه أحد كناية عن كثرة الطلبات واستعجال الزبائن له، كل منهما يحمل شهادة تؤهله لعمل مرموق لولا الظروف لو كانا في زمن فائت لأصبح لكل منهما منزل وزوجة وربما ولد أو اثنين.
أحدهما أحمد والآخر خالد شابان تحمل بشرتهما سمرة المنشأ والشقاء من أثر الشمس عيون طامحة تبحث عن الأفضل كاد يخبوا الأمل فيهم لكن المحاولات مستمرة، دون توقف، قامات مستقيمة وجهان عريضان شعر مجعد وآخر مسترسل، الأشكال متقاربة والهدف واحد، واليأس على الأبواب.
صدحت بصوت مسموع ليس ببعيد "أقرا الكف و اوشوش الودع"
"زينة"غجرية خمسينية موشومة الذقن بثلاثة خطوط مستقيمة استحالت للزرقة، آثار الزمن رسمت حول عينيها وشفتها خطوط دقيقة تنذر باقتراب الشيخوخة، توشوش ودعا حفظ كلماتها واعتاد لمس يديها.
ابتسم خالد مشيرا إليها "تيجي نشوف"
أدار أحمد وجهه ناظرا إليه بعدم اهتمام
استطرد خالد "هنتسلى"
أشار لها بالاقتراب، جلست أمامهما وكالعادة رسمت لكل منهما طريق سفر وكل راجل بين بنتين وكل بنت بين راجلين أضافت بغير تأكيد منها أن طريقهما وعر لكن أحدهما سيمر بنجاح والآخر سيتعثر لم تجب تساؤل أحمد الذي أظهر اهتمامه بكلامها فجأة
"من منا سينجح"
بنظرة باردة دون تعابير واضحة اجابت
"الودع مقالش مش باين"
تركتهما في حيرة من أمرهما وذهبت.
الخوف هو المحرك الرئيسي قد يكون حافزا للعمل أو هادم للطموح، محاولة الهروب منه كخوفك من الفشل والهزيمة قد تقودك إلى النجاح، أو العكس حسب إرادتك.
بعد سنة من لقاء قارئة الودع
التقى الصديقان على نفس القهوة وفي نفس المكان بحالين مختلفين، شكى خالد ضيق الحال لازال يعاني في طريق البحث عن وظيفة ملائمة لشهادته، اخبره أحمد أنه مل البحث لكنه قرر استثمار مدخراته البسيطة في البدء بمشروع بسيط وأصبح الحال أفضل ولتأتي الوظيفة على مهل، توقفا عن الحديث عندما سمعا صوتها يصدح من جديد ركض خالد نحوها يذكرها به وبصديقه فما كان منها إلا أن ابتسمت قائلة" كيف أصبحت الآن ... مؤكد أصبحت ناجحا كما قال الودع"
أعاد النظر إلى أحمد فوجد الآخر يضحك بصخب، التحق به يسأله كيف تخطى الفشل إلى النجاح قرر التخلي عن الخوف، والتمسك بالأمل للخروج من مستنقع الخرافة.