سمعت نداءه فأجابَت:
ماذا تريد؟ أنا مشغولة الآن.
تعالي وانعمي باستنشاق هذا النسيم العليل. أعرف أنكِ تحبين أن يداعب النسيم وجهك.
ذهبت مسرعة وهي تقول:
حسنًا، سآتي قليلاً فقط، ثم سأعود لأكمل عملي.
وقفت واستندت بكلتا يديها على سور الشرفة الحديدي، أغمضت عينيها وتركت نسمات الهواء الرقيقة تملأ رئتيها ببطء.
يال روعة النسيم!
أفاقت فجأة عندما شعرت بانسياب شعرها كيف تحرر، لم تشعر حتى بسقوط محبسه.
شعرت باقترابه وبأنفاسه الحارة، اعترا جسدها قشعريرة، واستدارت فجأة، وجهت إليه سؤالًا ارتجاليًا لم ترتبه:
_كيف حال عملك؟ أخبرتني أن لديك الكثير من المشاكل.
انتبه لحركتها السريعة.
عاد إلى الخلف بظهره وهو يجيب بارتباك:
نعم ... العمل...
كان يحك رأسه من الخلف بتوتر، أخذ يتلعثم ببعض الكلمات.
لم تسمع منها حرفًا واحدًا، فقد وجهت كل تركيزها على محبس شعرها، راهنت أنه ممسك به بيده وبالفعل ربحت الرهان. جذبته منها بعصبية وذهبت من أمامه مسرعة، راكضةً إلى غرفتها. أغلقت الباب، ووقفت مسندة ظهرها عليه تلتقط أنفاسها بصعوبة، تتساءل كيف واتته الجرأة ليفعل هذا؟ ماذا كان سيحصل لو أطالت الوقوف؟ قالت في نفسها: ماذا حدث لك يا ابن عمي؟ لست خائنًا! لست جبانًا!
لا تبرير عندي لما فعلت ولا أسباب ولا شيء سوى علامة استفهام كبيرة تحمل عشرات الأسئلة.
لماذا يا ابن عمي؟ لماذا؟!!
غاب لأسبوع، لم يأتِ كعادته، حتى أن والدها افتقده كثيرًا وسأل عنه، فأخبره أنه قادم لزيارتهم في الغد.
لا تعرف سبب ارتباكها، تركتهم وذهبت إلى غرفتها بحجة شعورها المفاجئ بالتعب. تفتح كتابًا وتغلقه، لا تستطيع التركيز ولا القراءة. كيف ستقابله غدًا؟
قضت ليلة مرهقة أخذت منها كثيرًا من التفكير المضني.
بدأ اليوم عاديًا مثل باقي الأيام، اقترب اليوم على الانتهاء ولم يأتِ، شعرت براحة.
ذهب والدها لصلاة المغرب، لن يأتِ قبل أداء صلاة العشاء.
طرقات على باب غرفتها، يبدو أنها والدتها تطمئن عليها.
تفضلي يا أمي.
فتح الباب، لم يدخل أحد، فقط باقة من الزهور تظهر من خلف الباب.
عرفت فورًا من الطارق. أدارت ظهرها بحركة لا إرادية، سمعت كلمة اعتذار:
أنا آسف، اعتذر، كان سوء تصرف مني، لكن صدقيني، ما حدث كان رغماً عني.
صمت قليلاً ثم قال بصوت حرص أن يكون ثابتًا:
هل تقبلين الزواج بي؟
أخذت الزهور منه ووضعتها جانبًا لترد بثقة:
بالطبع لا، منذ متى وبيننا هذه المشاعر؟ أنت ابن عمي ولا أراك سوى ابن عمي.
اتقدت عيناه نارًا وتحرك نحوها وكأنه يحاصرها. ابتعدت عنه إلى أن ارتطم ظهرها بالحائط، بينما ردد بانفعال:
بيننا كل المشاعر مذ ولدتِ، مذ رأيتك تكبرين أمامي يومًا بعد يوم، بيننا الكثير. سمعتِ؟
شعرت بالخوف. أرادت أن ترفع صوتها لتنادي والدتها، ولكنه كان أسرع منها، حيث أمسك وجهها بيده وباليد الأخرى قيد ذراعيها قائلاً:
بعد أن حاصرها:
سأطلبك من عمي، وأحذرك من الرفض، لن يمسسك رجل غيري، ستصبحين زوجتي شئتِ أم أبيتِ.
شعرت أن جسدها يرتخي، بدت أن الإرهاق بلغ منها مبلغه، وساعده خوفها الشديد من ردة فعل ابن عمها، فتهاوت بين ذراعيه.
تأملها وهو يحتضنها، لثم جبينها بقبلة، ووضعها في فراشها ورحل.
استيقظت مذعورة تتحسس وجهها وجسدها، نظرت في المرآة.
تأملت نفسها، تبدو بخير.
ثم عادت إلى سريرها لتبدأ وصلة بكاء، لا تدري ماذا ستفعل وكيف ستتصرف.
حدث الأمر أسرع مما تعتقد، ففي اليوم التالي جاء عمها وابن عمها لخطبتها. فرح والدها ووالدتها كثيرًا، الأمر الغريب الذي استفزها كثيرًا هو أن والدها وافق على الفور دون أن يسألها رأيها أو يهتم، كأنه تحصيل حاصل.
اعترضت على ذلك وأخبرته أنها غير موافقة، فنهرها بشدة قائلاً:
تريدين إحراجي مع أخي وابن أخي؟ لقد وافقت وانتهى الأمر. أنا أدرى بمصلحتك.
لم يأبه أحد لبكائها ولا لاعتراضها، الجميع بلا استثناء يرون أن هذا في مصلحتها.
مرت الأيام سريعًا جدًا، وجدت نفسها تستعد لزفافها، كان ابن عمها جاهزًا جدًا حيث لم تستمر خطبته لها سوى شهر، لم تره فيه لأنه كان مشغولًا بإكمال شقته.
كان يوم زفافها حافلاً، جميع العائلة حاضرة، الكل سعيد جدًا يقومون بتحضيرها للزفاف وهي جامدة لا رأي ولا مشاعر لها، كما أنها التزمت الصمت حيث لم يجد الكلام نفعًا.
وجدت نفسها بنفس سرعة الأيام السابقة أمام منزلها الجديد، والكل يهلل ويحتفل وهي سارحة في عالم آخر، تسمع موسيقاهم كالحلم. بدأ الجميع في الانصراف.
حملها بين ذراعيه ودخل بها إلى بيتهم الجميل. كيف ستتعامل؟ ماذا ستفعل؟ لا تعرف ولا تقوى على التفكير.
كيف ستمر ليلتها الأولى؟
بدت في موقف لا تحسد عليه.
كانت خائفة وناقمة ولديها كثير من المشاعر المختلطة. شعرت ببرودة في أطرافها، ودقات قلبها تتسارع.
اقترب بتردد قائلاً:
سأبدل ملابسي في الخارج، وبعد أن تنتهي أخبريني لنتناول الطعام معًا.
لم ترد ولم تظهر أي استجابة.
بدل ملابسه وجلس في انتظارها، لكنها تأخرت جدًا. طرق الباب ودلف إلى الغرفة باحثًا عنها، وجدها وقد بدلت ملابسها، كانت تجلس في ركن من الغرفة دون حراك.
اقترب منها وأمسك يدها ليساعدها على الوقوف، احتضنها بين ذراعيه، كان ينتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر. قرب وجهه من وجهها، ولكنها ابتعدت عنه. شعر بالغضب، ولكنه تمالك نفسه قائلاً:
تعالي معي لتشاركني الطعام.
ردت ببرود:
لست جائعة، تناوله بمفردك.
البداية ليست مبشرة.
هذه البداية التي أردتها، وها أنت قد حصلت عليها.
تحاولين إثارة غضبي، ولكن هذا لن يحدث. سأتركك الآن لتستريحي، ولكن لا تكوني متفائلة كثيرًا، ربما لا أتركك في المرة المقبلة.
تركها وذهب. كانت ليلة طويلة وصعبة، لم تشعر كيف نامت، ولكنها استيقظت على صوته وهو يوقظها قائلاً:
استعدي، سيصل أهلنا في أي لحظة.
قامت بتثاقل واستعدت للقاء الجميع.
وكالعادة، يحمل الأهل الهدايا ويهللون بالزغاريد وبالكلمات المحفوظة في مثل هذه المواقف، ويمارسون الكثير من كلمات الحسد: "كم أنت محظوظ! تبدو رائعًا!"
أرادت والدتها الانفراد بها في غرفتها للاطمئنان عليها.
كيف حالك؟
بخير.
أريد أن أطمئن.
قلت بخير، اطمئني.
هل كان جيدًا معك؟ هل كان حنونًا؟
أخبريني يا ابنتي حتى أطمئن والدك.
طمئنيه... لقد نفذت ما أراد، لم أحرجه مع أخيه ولا ابن أخيه، رغم رفضي تم كل شيء بمباركته.
لم أحاول الهرب من المنزل ولا الانتحار. فعلت كل ما أراد.
ماذا تقولين؟ والدك يعرف مصلحتك. كل ما أريده الاطمئنان، أشعر أنك لست بخير وأخاف أن يكون ابن عمك آذاك ولا تريدين الحديث.
كشفت لها جسمها قائلة:
اطمئني، لم يضربني ولم يؤذِ جسدي. تفحصيني جيدًا.
جرحي بداخلي، لم تمنحوني فرصة حتى لأشعر أني إنسانة لها رأي في شريك حياتها. اتركوني يا أمي، واعلمي جيدًا أنه حتى إن ضربني أو آذاني، لن أخبركم. سأتحمل كل شيء دون أن أشتكي. هذا ما أردتموه.
هيا لننضم إليهم، فجلوسنا هنا لا فائدة منه.
انضما إلى الباقين لبعض الوقت ثم رحل الجميع. نظر إليها بعد أن أغلق الباب قائلاً:
عن ماذا سألتك والدتك؟ وماذا قلتِ لها؟
سألتني عنك وقلت لها إنك كنت لطيفًا معي ولم تؤذني.
أرجو أن يكون ردي قد أعجبك. سأذهب لأرتاح قليلاً فقد تعبت، تعبت جدًا.
مرت الأيام بفتورها وبرودة لياليها، طويلة وصعبة. اتخذ قراره بعدم مضايقتها أو إجبارها على شيء.
لذا كان يعاملها معاملة عادية، يتحدث معها ويطلب منها حاجياته. لم تكن تستجيب في البداية، لكنها أصبحت تستجيب لتسير الحياة.
أحضر لها الكتب فقد كان يعرف شغفها بالقراءة، وأهداها مكتبة لتضعها في الغرفة التي تختارها لتقضي فيها لحظات من المتعة. جعلتها بعض التفاصيل الصغيرة أكثر مرونة. وفي أحد الأيام، اتصلت بها إحدى صديقاتها، يردن زيارتها، وافقت على الفور وأخبرته. طلب منها أن تخبره بميعاد قدومهن ورحيلهن حتى لا يزعجها بحضوره لتأخذ راحتها مع صديقاتها.
جاءوا لزيارتها في اليوم التالي. فرحت بهم كثيرًا وتبادلت معهم أطراف الحديث. أخبرتها بكل ما فاتها من مواقف وأخبار.
وبينما هن يتحدثن، لاحظت أن إحدى صديقاتها تنظر إلى صورة زوجها بتمعن، وقد تجمدت نظراتها عليه فقالت لها: _ هذه صورة زوجي. أفاقت من شرودها وهي تنظر لها قائلة: = استنتجت ذلك أيضًا، بارك الله لكِ فيه. يبدو رائعًا وتبدين سعيدة.
سأصدقكم القول، لم أكن موافقة على الزواج وكنت أريد الطلاق. استغربت صديقاتها من كلامها، حين نطقت صديقتها: = هل ما زلتِ تريدين الطلاق؟ _ لا أعرف، ربما نعم. أشعر بمشاعر غير مريحة، لذلك أفضل الانفصال، ولكنه يتمسك بي جدًا. = سأساعدك. أخبريه أنكِ تحبين رجلًا آخر، وسيتركك. _ تعتقدين هذا؟ _ نعم، أنا متأكدة من النتيجة. وبينما هم يتحدثون، سمعوا صوت باب الشقة يفتح. لقد نسيت أن تخبر زوجها بموعد رحيلهم، وها هو يأتي أثناء وجودهن. قاموا واستأذنوا بالانصراف عندما رأوه، ألقى عليهم السلام. تحركوا نحو الباب استعدادًا للرحيل، حين تصنعت تلك الصديقة أنها ستقع، وألقت بنفسها عليه. أمسكها في حركة تلقائية، ولكنه تركها سريعًا. أخذ يستغفر الله كثيرًا. دخلت عليه زوجته الغرفة متسائلة: _ ما بالك؟ ما كل هذا الاستغفار؟ رد عليها: = ألم تري ما حدث؟ _ رأيت، ولكن ما المشكلة؟ = المشكلة! ... صحيح، أين المشكلة! إذا وقعت إحدى هن في أحضان زوجك، لا مشكلة. فعلاً، لأنه مصنوع من حجر ولا يشعر أبدًا. فقد الإحساس منذ رفضته زوجته. ردت بعصبية: _ تعلم ما حدث جيدًا. = لا... لا أعلم سوى أنكِ زوجتي... أرجوكِ ابتعدي عني الآن. _ لن أبتعد ما دمتِ فتحتِ الموضوع. فسأكمل. أنا أحب شخصًا آخر. قذفت الكلمة كالصاروخ، أشعلت الغضب في أعصابه، جعلت نار الغضب والغيرة تتأجج دفعة واحدة في عروقه. اختارت وقتًا خاطئًا تمامًا. يرجع ذلك إلى عفويتها وعدم خبرتها. لم تفطن إلى خطأها إلا عندما هاجمها. أمسكها من كتفيها بغيظ قائلاً: = ماذا قلتِ؟ أجابته وهي تحاول الثبات: _ قلت ما سمعت. = وإلى أي مدى وصلت علاقتكِ به؟ _ لا شأن لك بهذا. = لذلك تمنعتِ عليّ حتى لا ينكشف أمركِ. _ أنت مجنون! كيف تجرؤ! = نعم مجنون، وسأريكِ نتيجة هذا الجنون. حاولت التخلص من قبضته، ولكنه أحكمها أكثر فأكثر، بل واعتصر جسدها بين ذراعيه، مما أشعرها بألم شديد. لم يأبه لصراخها ومحاولاتها اليائسة للهروب منه. هاجمها كالأسد المفترس، أصم آذانه عن توسلاتها، حتى ارتعشت واستكانت بين ذراعيه. بعد أن فرغ منها، هدأ من روعه، فقد ظهرت الحقيقة أمامه جلية. كانت تكذب. قالت له وهي تستجديه أن يتركها، إنها كانت تكذب. الآن يصدقها. استخدمت وسيلة ضغط عليه، ولكنها لم تحسن اختيار الوقت. حاول إفاقتها دون جدوى. ملأ كوبًا من الماء ليبلل وجهها ببعض قطراته، اطمأن حين رأى منها استجابة. ربت على وجهها عدة مرات حتى فتحت عينيها بتعب. امتلأت عيناها بالدموع، فاحتضنها. كانت تريد دفعه بعيدًا عنها، لكنها تشبثت به أكثر، وكأنها تشك منه إليه. كانت البداية قاسية ومختلفة، ولكنها بداية جديدة في النهاية. هي لا تدري لم استكانت وهدأت بين أحضانه رغم ما فعل بها. ولا تدري لماذا لا تشعر بكرهها له. ربما لأنها فعلاً لم تر منه شيئًا سيئًا. تقبلت قسوته لأنها كانت تعلم أنها سبب فيها. المهم أنها بدأت مرحلة جديدة في حياتها برفقته.
فتحت عينيها بكسل وبطء على مشهد تراه لأول مرة، ومشاعر تجري في عروقها تدريجيًا. كانت ملتصقة بصدره تمامًا. رفعت عينيها لتتأمل وجهه الهادئ. كم يبدو جميلًا وبريئًا وهو نائم. عكس ما رأته منه بالأمس. مجرد تذكرها للأمر جعلها تشعر بقشعريرة تسري في جسدها. أغمضت عينيها بانفعال. شعر بارتعاشة جسدها، ربت على شعرها برفق متسائلًا: _ هل أنتِ بخير؟ نظرت إليه باستغراب وهي تبعده عنها. ابتسم وهو يبتعد قائلًا: _ نحن على هذا الحال منذ الأمس. لم تنتبهي سوى الآن؟ تبع كلماته بضحكة رائعة: جعلها تحدق فيه وهي تبتسم وتسأل: = هل أنت سعيد لهذه الدرجة؟! اقترب منها وبنبرة ثابتة حنونة قال لها: _ نعم سعيد. احتضنت حلمي لليلة كاملة. لم أنم منذ فترة، كما نمت بالأمس. أعلم أنكِ غاضبة، لكنكِ تعلمين أن ما قلتيه بالأمس كان صعبًا ومستفزًا جدًا. = أخبرتكِ أني كنت أكذب عليكِ ولم تتوقف. _ صدقيني، لم أسمعكِ، فقدت تركيزي. كلماتكِ أصابت عقلي بالشلل. حاولت القيام، ولكنها شعرت بالألم. – أعتذر مرة أخرى، أريد أن أطلب منكِ طلبًا. فكري فيه، أرجوكِ. امنحيني فرصة، وأعدكِ ستكونين سعيدة معي جدًا. لن تندمي. سأكون سعيدًا إذا وافقتِ على هذه الفرصة. وإن رفضتِ، سوف... سوف... فكري فقط وأخبريني. = لم تكمل. سوف ماذا؟ – أعجز عن إخراجها من فمي. فكري فقط. سأقوم. تأخرت عن موعد العمل. اتجه ليغتسل ويرتدي ملابسه مشغول الفكر مهمومًا. واستمرت هي في التفكير. قالت لنفسها: لدي الفرصة الآن. لن أوافق، وسأطلب منه الطلاق... ولكن لماذا لا أعطيه فرصة؟ هو زوجي الآن بمعنى الكلمة. لن أخسر شيئًا إن جربت... وماذا إن رفض؟... لا أدري ماذا أفعل؟... ثم أغمضت عينيها وذهبت في نوم عميق. استعد للذهاب إلى عمله. كان يريد أن يخبرها أنه سينصرف، ولكنه وجدها نائمة. تأملها بسعادة. كان يأمل أن تفكر جيدًا في تلك الفرصة ليظهر لها كل ما بداخله من مشاعر.
عاد من عمله مساءً. كان متعبًا جدًا ومثقلاً بالهموم. أضواء خافتة تعم المنزل. اتجه لزر الإضاءة، ولكنه سمع صوتها القادم من خلفه مباشرة، وهي تقول: _ توقف. سنتناول عشاءنا اليوم على أضواء الشموع. أمسكت يده وصحبته إلى الغرفة. كانت نظرات الدهشة تعلُ وجهه. لا يصدق ما يرى ولا ما يسمع. هتفت له قائلة: _ اغتسل وبدل ملابسك، والحق بي. فعل ما قالت، بينما حضرت الطعام. جلسا سويا على ضوء الشموع. وعندما انتهيا، أدارا موسيقى هادئة واتجهت نحوه، ومدت يدها إليه بحركة مسرحية داعية إياه للرقص. = ولكنني لا أجيد الرقص.
أنا أيضًا لا أجيده. نحن بمفردنا ولا يراني أحد. سنتمايل سويا على أنغام الموسيقى. وبالفعل بدأت وصلة من الرقص الهادئ. شعرا خلالها أنهما انطلقا عبر الزمن إلى عالم آخر. كانت تريح رأسها على صدره، سمعت نبضات قلبه المتسارعة. السعيدة انتهت المقطوعة. نظرت إليه قائلة: _ تريد أن نعيدها ثانية؟ ابتسم قائلًا: = لا نحتاج لإعادتها. سنبدأ وصلة جديدة من الرقص، ولكن هذه المرة سترقصين على طريقتي. ستكون أنغامك نبض قلبي.
اصطحبها إلى غرفتهما ليبدءا مرحلة جديدة من السعادة. أصبحت تمارس حياتها بتلقائيتها. شعرت بالأمان معه وفي أحضانه. كان يؤكد لها يوميًا أنه عنوان سعادتها. ذهبت لزيارة أهلها بعد أن قطعت الزيارة لبيتهم. عندما كانت تشعر بالظلم والقهر، استقبلاها والديها بترحاب شديد. اعتذر لها والدها قائلاً: _ سامحيني يا ابنتي. فأجابته بسعادة: أحمد الله أنك أجبرتني على هذه الزيجة. أنا بخير يا أبي، وسعيدة جدًا. فرح والديها بما سمعا، فقد كان عبئًا عليهما شعورهما أنها تعيسة ولا تقول. أصبحت علاقتهما أجمل وأقوى مع الأيام. اكتشف كل منهما أنه النصف الصحيح للآخر. وقفت ذات يوم تنظر إلى المرآة، تتأمل تلك الشعرة البيضاء التي نمت في رأسها وسط غابات الكستناء. أحاطها بذراعيه من الخلف وهمس لها برفق: تبدين جميلة حتى لو كسى الشيب رأسك، ستظلين في عيني ابنة عمي الصغيرة التي ربيتها على يدي. _ كم أنتِ مخادعة صغيرة بعد كل هذا العمر. أدارها نحوه قائلاً: نعم صغيرة وجميلة، وحبيبتي. أصبح كلام العاشقين طقسًا ثابتًا بينهما، واستمرت سعادتهما. رزقهم الله بأربع أطفال... كيف بدأ صعبًا قاسيًا وكيف انتهى جميلا رائعًا عامرًا بالحب. ربما يكون السر في مجرد فرصة نمنحها لغيرنا ولنفسنا، فنرى نجاحها وتصبح عنوانًا لسعادة دائمة.
تم بحمد الله.