تدخل سناء على صديقاتها باكية .. تأخذها (سماح) فى حضنها .. ماسحة على رأسها .. رابتة على ظهرها .. وهى تقول : " أهدئي وأخبريني ماذا يجري هنا ؟ لما كل هذا البكاء ماذا حدث ؟؟"
تهدأ (سناء) قليلا .. تأخذ (سماح) بيدها تجلسها وتجلس جوارها .. بعد برهة قصيرة من الوقت تقول سناء : " لقد عاد محمد خطيبي من ليبيا بعد أربع سنوات ، عاد بعد صبر وتحمل للغربة ، والألم والشقاء والتعب ، بلا مال ولا أمتعه ولا أي شيء ، رجع بخفي حنين يا أختى ، وعندما ذهبت لأسلم عليه وكلى شوق ولهفة ، قابلني ببرود شديد لم أعهده منه أبدا !!.
وعندما سألته معاتبة عن موقفه هذا .. لم يرد .. ثم إذا به يلقي إلىَ بخاتم الخطبة ويهب خارجا من المنزل منهيا كل ما بيننا !! وحجته أنه لم يستطع أن يفى بوعوده فهو لا يملك شيئا، ولاحتى قوت يومه !!، وفى عنقه ثمانية أخوات ووالديه ، ولا يستطيع أن يربطني معه أكثر !!
لقد انتظرته سنوات عجاف عانيت فيها الكثير، ثم يأتى ليحطم قلبي بلا رحمة أو شفقة !، حاولت أن أخبره بحبى له وأنني على استعداد تام لتحمل سنوات أخرى ، ولآخرالعمر! سأتحمل سنوات أخرى حتى لو أخر العمر .
لكنه أختفى تماما !! ومصادفة التقيت صديقه المقرب (ممدوح) .. لن تصدقي ما قاله لي .. " لقد سافر محمد لإيطاليا مع زوجته الإيطالية التي عرفها بليبيا والتى تزوجها أمس ؟ ، كأنني في كابوس لا أستوعب كل ما يحدث ماذا يحدث يا صديقتي ؟؟
أخبريني يا صديقتي ، أي خيانة هذه ؟؟! أي ألم هذا ؟ لماذا أصبحنا هكذا ندوس بأقدامنا قلوب أقرب الناس لنا لتحقيق مصلحة شخصية .. وطمع فى مال وثروة !؟ ، لماذا صار الصدق والوفاء مجرد سراب ؟!
آه يا (سماح ) .. لقد تحطمت كل آمالي .. يئست من حياتي .. وفقدت ثقتى بمن حولى !! .. لقد ظننته حبل للنجاة ، فإذا به حبل الموت !! حبل المشنقة الذى يلتف حول عنقي ..
تربت (سماح) على ظهرها .. قائلة : أهدئي يا حبيبتي ، مثل هذا لا يُبكى عليه ، لا يستحق دمعة واحدة .. فهو خائن !!، لا تتعجبي فالحياة أصبحت هكذا مصالح وكذب وأقنعة !! والقوي يمتص دماء الضعيف ، الكل يخون ويغدر !! توقعي أي شيء من أي أحد ، فقد أصبحنا في غابة يا صديقتي .. واحمدى الله على أنه قد ظهر على حقيقته قبل فوات الأوان !؟
تتوقف (سناء) عن بكائها وتجفف دمعها .. وتعاود حديثها : "عندما علم والدي بما جرى .. عرض علىَ موضوع الزواج من ثرى عربي .. كنت قد رفضته من قبل .. وهددني بأنه سيلقي بنا في الشارع ، أنا و والدتي وأخوتي ، إذا لم أوافق علي هذا الزواج ،لا أدرى ماذا أفعل يا سناء ؟! هل أوافق علي أن أٌباع كسلعة لرجل فى عمر جدى ،أم يكون مصيرنا الشارع ؟! ، لقد مللت حياتى .. ليتني أموت وأرتاح من هذه الحياة !!
تصمت (سماح) فهى لا تجد ما تقوله لسناء ، تتذكر وضعها فهو لا يختلف عن وضع سناء !!، ليتها تملك حلا ،ليت هذا الفقر رجلا لتقتله وتريح ملايين المقهورين والمقهورات ذلا ، من أجل المال !!؟
تتزوج سناء رغما عنها ، وعندما تراها (سماح ) برفقة هذا العجوز، تتذكر ما حدث لها .. فقد مات حبيبها بحادث منذ عام ، فتسيل دموعها حزنا وألما على حالتها وحالة صديقتها ! ، تودعها بكل شوق وحرارة ، كأنه الوداع الأخير ، فالله أعلم هل سيلتقيان مرة أخرى أم لا !؟
بعد أقل من ثلاثة أشهر تعود (سناء) من الخليج بعد إن لجأت للسفارة لإنقاذها من زوجها العجوز وزوجاته الثلاث وما قاسته منهن ، عادت لتٌصدم بموت أهلها تحت أنقاض المنزل الذى كانوا يعيشون فيه ، تنهار و لا تعرف إلى من تلجأ ..
تتذكر صديقتها (سماح) .. تتصل بها .. ترحب بها (سماح) بفرح وسعادة .. تتوجه (سناء) إلى الفيلا التى تقيم بها (سماح) فقد تزوجت بعد سفر (سناء) ومَن الله عليها بزوج رائع .. تستقبلها والدة (سماح) التى تحتضنها مرحبة بها ببشاشة وجه فسناء فى منزلة ابنتها .. فقد كانت صديقتها وأختها التي تربت معها ،لا تجد (سناء) كلاما تستطيع الرد به .. كل ما استطاعته أن بكت .. ليقول بكاؤها كل ما كانت تريد قوله !
تنادى الأم ابنتها (سماح) ..التى ما إن رأت (سناء) حتى هرعت إليها تحتضنها ويروحان معا فى نوبة بكاء حار حبا وشوقا .. ترى علامات الإجهاد على وجه صديقتها الحبيبة (سناء) .. تأخذها إلى حجرتها .. تطلب منها ألا تتحدث الآن .. بل تبدل ملابسها وتنام ، وبعد أن ترتاح يتحدثان .. وتتركها خارجة ومغلقة الباب خلفها .
تستيقظ (سناء) بعد عدة ساعات، وهى تشعر براحة .. وإنشراح صدر لم تعرفهما من قبل ! تفتح باب الحجرة .. تنادى على (سماح) .. التى تأتى وابتسامة صامتة تملأ وجهها .. قائلة " نوم العافية يا أحلى أخت !!" وتستطرد : هيا بنا .. نتناول طعامنا .. فأنا شديدة الجوع .. ثم نقضى سهرتنا بعد ذلك .. على مائدة الطعام .. كانت الأم تنتظر .. ووجهها ينم عن فرحة حقيقية بسناء .. بعد تناول الطعام .. تستأذن الأم لأنها لم تتعود السهر .. ستصلي العشاء ثم تمضى إلى النوم !! ..
تعد (سماح ) الشاى .. وبعد الانتهاء من إحتسائه .. تمضيان معا إلى الشرفة المطلة على النيل .. وتحكى (سناء) لصديقتها ما مر بها منذ سفرها مع الزوج العجوز .. وحتى عودتها وما لاقته من آلام وأحزان .. كان أخرها صدمتها بوفاة أهلها .. وإنها لم يعد لها أحد تلجأ إليه .. تطيب (سماح) خاطرها .. وتعاتبها .. فهى أختها وأمها أمها .. والبيت بيتها .. تشكرها ودموعها تسبقها .. ولا تعرف كيف تعبر عن شعورها وشكرها .. فلا تملك إلا أن تلجأ إلى الصمت المعبر عما تكنه لصديقتها من حب ومودة وعرفان بالجميل .. تتركها (سماح) بعض الوقت .. تعود حاملة معها (صينية) بها فاكهة وحلوى وكوبان بهما مشروب ساخن .. ويمضى الوقت سريعا .. تنهضان للنوم ..
فى صباح اليوم التالى .. وبعد تناول الإفطار .. تتحدث (سناء) إلى صديقتها (سماح) : " لقد كنت و"ماما" التى أدعو الله أن يبارك فيها ويمتعها بكل خير وصحة أكثر من أهلى .. بل أرحم من عرفت ! وأنا لا أحب أن أثقل عليكما .. وكل ما أريده أن أجد عملا يعينني على الحياة ..
تقاطعها (سماح) معاتبة إياها : ماذا تقولين يا "وحشة" ؟! .. قلت لكِ إنكِ أختى .. وأمى هى أمك .. وهذا بيتك .. فكفى عن ذلك الهراء يا أيتها "الندلة" ؟! .. عيب !؟
وتصر (سناء) على العمل .. وترفض أى كلام حول ذلك الموضوع .. وأمام إصرارها عرضت عليها (سماح) أن تتولى إدارة شئون الفيلا ..حتى تكون معها باستمرار ،خاصة بعد أن يعود زوجها من الخارج بعد انتهائه من أعمال خاصة بشركته .
وتخبرها بأن زوجها على علم بوجودها معهم حيث هاتفته .. وقد رحب بها كثيرا .. وتتولى (سناء) العمل .. الذى لم يكن متعبا ولا صعبا .. وقامت به على أحسن وجه .. ترفض أن يشترى أحد غيرها مستلزمات الفيلا .. وتشرف على إعداد الطعام وعمل كل شيء بالفيلا وتعمل بشتى الطرق على راحة (سماح ) وعدم إرهاقها في أى أمر و إعداد ما تحب من أطعمة ومشروبات ..
يشعر الجميع نحوها بالحب والارتياح .. فهى لا تُحمل إحداهن أية مشقة .. بل تعاون الجميع .. وتسأل عن أحوالهن .. وتعمل على حل مشكلاتهن ..
مع مرور الوقت .. يُعجب بها حارس الفيلا .. وينتهز الفرصة المناسبة ويتحدث مع (سماح) يطلب منها خطبة (سناء).. تعده بالتحدث إليها .. ومعرفة رأيها ..
ترفض (سناء) لا لأنه لايليق بها أو أى سبب آخر .. بل لأنها قد كرهت الزواج أو الارتباط بأى إنسان كان .. لما مر بها بسبب ذلك من آلام وجراح لا تلتئم على مر السنوات !!
تحاول (سماح) و والدتها أن يثنياها عن تلك النظرة التشاؤمية النافية لسنة الحياة .. لكنها تصر على رأيها .. وتنهمر الدموع من عينيها حادة حارقة ..
تأخذها "ماما" فى حضنها ماسحة على رأسها وظهرها مهدئة من روعها .. وهى تقول :
لا تقلقي يا سناء ، لن يجبرك أحد على الزواج ، لكن لا تستسلمي لليأس ، ما زلتِ صغيرة والحياة أمامكِ ، لقد خلقنا الله لنعيش لا لنموت كل يوم ، النسيان نعمة من الله ، لولا النسيان لمتنا جميعا ، مع الوقت ستنسي بقايا الماضي ، وستذبل أحزانك وتولد الأفراح لقلبك الطاهر ، وسيعوضكِ الله خيرا .. فإن عوض الله جميل.