كعادتها تستقل الحافلة للوصول إلى كليتها، تجلس دائما بجوار النافذة كى لا تختنق، تنظر متأملة الأشجارعلي جانبى الطريق، والسيارات التي تمرمسرعة، فتغمض عينيها خوفا منها ، فهي تعاني فوبيا الخوف من السيارات، وتصاب بدوار المواصلات، تحمل معها دائما في حقيبتها كيسا " من البلاستك " .. لتستعمله حينما يصيبها الدوار بالغثيان .. تحاول أن تنسى و تنشغل بأي شيء .. تحلم بفارس أحلامها تارة .. تفكر في الكلية وصديقاتها تارة أخرى .. تتذكر أمها رحمها الله وتحاول التغلب على دموعها !!
تشعر بيد تلمسها فتفزع ، ولكن تحاول ألا تلفت إنتباه أحدا من الركاب، تظنها غير مقصودة من جراء الزحام ، أومطبات الطريق .. تتجاهل الأمر لحظات ، تشعر باليد مرة أخرى، لكنها في هذه المرة تتمادى لتتحسس جسدها من الخلف بوقاحة .. تلتفت قليلا لتلمح الجالس خلفها .. تشعر بضيق ولكن ،لا تدري ماذا تفعل ؟ ..هل تلعنه ؟! هل تتجه نحوه تصفعه على وجهه ؟! لقد أختنقت من تصرفه ، تشتعل النيران بداخلها ، تريد أن تصرخ ، رافضة تحرش ذلك الوغد بها .. لكن خجلها وخوفها يمنعاها ! ليتها تمتلك الجرأة لتدافع عن نفسها .. تقفز إلى ذاكرتها صورة تلك الفتاة التي تعرضت أمامها للتحرش، وعندما واجهت المتحرش بها مدافعة عن نفسها ، ألقى الجميع باللوم عليها .. بل اتهموها بسوء الخلق !!، فتصبح هي الجاني وليس المجني عليها !! اهتدت إلى أن تنزع دبوسا من حجابها ، حتى إذا ما حاول مرة أخرى ..غرسته في يده ، فهي لا تملك سلاحا غيره ، لتثبت وقاحته ! توقفه عند حده !! .. وفعلا .. أثبت الدبوس جدارته ، عندما حاول هذا الوقح أن يلمسها مرة أخرى !!
تكاد تختنق .. وتشعر بالغثيان .. تٌخرج الكيس مسرعة لتتقيأ كل ما بمعدتها، رغم إنها لم تتناول شيئا ، حرصا ألا يحدث ذلك ، ولكن مع توترها وضيقها من هذه التصرفات الوقحة، تتنفس قليلا فتحس بالراحة .. ولكن يزداد حرجها ممن حولها ، تمر الدقائق عليها عمرا، كم تتمنى أن تنتهي تلك الرحلة ، بكل ما فيها من ضيق وإحراج وألم ، وخوف وتوتر !! تنتظر توقف الحافلة بصبر نافد ، لعلها تستجمع بعض قواها وتعنف هذا الوقح علي فعلته ، رغم أنها أضعف من أن تفعل ، وما أن تتوقف السيارة .. حتى تراه يسرع هاربا .. إلا إنها عرفته ..، وتُصدم بشدة ، فقد كان ابن أسرة من جيرانها !!
كانت لم تزل في مقعدها بالسيارة .. حتى يقل الزحام فتهبت منها .. كان الجالس إلى جوارها رجل عجوز .. حاول إمساك يدها لمساعدتها على النهوض والهبوط من السيارة !! إلا إن نظراته كانت تبرق بالشهوة والوقاحة التي فاقت ما فعله ذلك الشاب !!
تختنق أكثرساحبة يدها بعصبية وحنق !! تسرع هابطة من السيارة ، كأنها تهرب من وحش مفترس ..لاعنة هذه الأخلاق المنحطة تسير محبطة حزينة .. فاقدة الثقة في مجتمع انهارت أخلاقه وقيمه !!