"لماذا لم تذكريه؟"
سألتها صديقتها بدهشة: "لماذا لم تذكريه بين صفحات مذكراتك؟"
ردت بحيرة: "من تقصدين؟"
"أتسألين حقًا؟! أهكذا نسيته؟! أقصد من أحبك وطاف حولك، وتمنى قربك يومًا. صاحب الورود والرسائل المعطرة... هل تذكرتِ الآن؟"
ابتسمت بسخرية، مستنكرة تذكيرها به بعد كل هذه السنوات.
"وما الذي ذكّرك به الآن؟ لماذا تعيدين لي الألم والحزن يا صديقتي؟! كأنكِ بسؤالك فتحتِ جرحًا غائرًا، ليعود إلى نزفه وألمه من جديد. ألا يكفيني ما عانيته منه، ومن كل خاذل وغادر وقاسي القلب؟!"
صديقتها تعتذر منها، تربت على كتفها برفق، فقد تذكرت هي الأخرى ما كان. كانت قد عاشت معها كل مأساة، وواستها في كل مصيبة.
تابعت هي الكلام:
"لا عليكِ، سأجيبك على سؤالك. لعلني أستريح إن حكيت عنه، كما يقولون: الحكاية علامة شفاء الراوي. لعل هذا هو السبب الأول، ربما شفيت من كل ما حكيت عنه، إلا هو. لقد حان الوقت لأحكي وأشفى منه. صدقيني، لم أنتبه أنني نسيته. قد يكون نسيانًا مقصودًا أو تناسيًا، لا أدري حقًا. رغم أنه ألمني وعذبني أكثر من الجميع، قد يكون كل جرح ترك علامة بقلبي، لكن جرحه تعدى كل شيء، ودمر قلبي فلم أعد أشعر أو أحب! تذكرين كيف كان يلاحقني في كل مكان، وكنتِ تمازحينني وتقولين: أخاف أن ينزل لك من حنفية المياه! كنا نضحك ونسخر حتى تحول الأمر إلى واقع مؤلم.
طوال حياتي، كنت أخشى أن أسلم قلبي لأحد. أغلقت أبوابه ونوافذه، وألقيت مفاتيحه في أعماق البحر. لكنه بشغفه وجنونه اقتحم حياتي. ظننت أنه الفارس المغوار الذي سيحطم كل الأسوار للوصول إليَّ، كما حطم حصون قلبي ودخل أخيرًا. لا أعلم، هل أحببته حقًا؟ أم أحببت جنونه وحبه؟ أم ربما أحببت أن أعيش المغامرة؟ كنت أكتفي بأحلام اليقظة، وأخشى التجربة الفعلية. ظننت أن هذه هي قصة الحب التي حلمت بها، جذبني جنونه ولهفته حتى غمرتني في أشعار ورسائل تمنيتها كثيرًا. ولكن بعد أن وصلت إلى منتصف البحر، تركني أغرق وحدي! لم يحارب، لم ينتحر من أجلي، بل تركني وسط العاصفة وحدي.
غرقت في دوامة من الألم والدموع لسنوات. والغريب أنه يعتقد أنني من بعته وتركته! كيف لي أن أفعل ذلك وأنا أضعف من أن أتركه؟ لقد هددت فقط لأستجديه، لكنه أفحمني بتصرفه الذي كشف عن ضعفه وعدم حبه. نعم، خيبتي فيه كانت بلا حدود، حتى أن نيازك المجرة احترقت بنارها، وسقطت فوقي صخورها، فأغرقتني في بحار من الدموع لأعوام طويلة. عانيت وحدي، بينما هو عاش حياته وكأن شيئًا لم يكن.
كنت أقاوم وأحاول العودة إلى الحياة، أن أتنفس من جديد، أن أعيش مرة أخرى. كيف لي أن أذكره في مذكراتي؟ لقد محوت كل ذكرياته، وما لا تعرفينه أيضًا هو أنني أحرقت كل رسائله ووروده يوم خيانته وارتباطه بغيري. ظللت أحلم أن يعود، أن يعتذر، أن يندم، لكنه لم يفعل. أي حب هذا؟! أي جنون يا صديقتي؟!
لقد أفقدني الثقة في الجميع، ولم أعد حتى أكتب. قضيت عشر سنوات دون مشاعر، دون قلب، تجمدت أحاسيسي وتبلدت مشاعري. صرت أتعامل ببرود مع الجميع، جف قلبي وجف معه قلمي.
والآن، بعد أن عاد النبض لهما، هل تتوقعين أن أكتب عنه؟! أن أذكر من خان وغدر؟ من جرح وذبح ثم ذهب دون أن يلتفت؟ أين كان عندما كنت أبكي وأنهار؟ كان يبني بيته ويتزوج غيري! من يحب لا يغدر، لا يخون، لا يخذل، لا يدعك تبكي أيامًا وليالي، لا لسنوات. من يحب لا يجحد، لا يكره. من يحب يسامح، ويظل مهما كانت الظروف.
يا صديقتي، أثر الماضي لا يندمل أبدًا، لكننا يجب ألا نلتفت. علينا أن ندفن الذكريات بحلوها ومرها في بئر عميق، وأن نردمها حتى لا تفوح وتنعش ذاكرتنا ألمًا وحزنًا. والقاسية قلوبهم... لا سلام عليهم."