صداع قاتل يفتك برأسها .. وكأنما أقيم فيها محطة قطارات لا تهدأ حركتها ! فتحت عينيها .. ظلام قاتم .. تحاول تحريك يديها .. فتكتشف أنها موثوقة اليدين والقدمين .. تصيح منادية ولا من مجيب .. تصرخ .. تبكي .. والصداع يزداد ويزداد .. ورأسها تكاد تنفجر .. تحاول أن تتذكر ما حدث ولماذا هى هنا موثوقة اليدين والقدمين .. ولماذا كل هذا الظلام .. ينتابها ذعر وفزع شديدين .. تبكي .. تتراءى لها أخيلة وأشكال هلامية .. فجأة ينبثق ضوء ضعيف فى ذاكرتها .. يزداد .. ويزداد حتى تتضح لها الصورة .. تتذكر ماحدث ..
جاءها من يخبرها بإصابة زوجها فى حادث سيارة .. ويرقد فى المستشفى مصابا فى ساقه وقد أرسله إليها لإحضارها .. كانت صدمة لها .. صرخت وبكت .. هدأ الرجل من روعها .. مطمئنا إياها .. فالإصابة ليست شديدة .. وفى نفس الوقت يطلب منها سرعة التوجه معه .. تنسى ابنها النائم فى حجرته .. وتنسى أن تبدل ملابسها .. وتسرع بالخروج معه .. تستقل السيارة التى تنتظرهما .. يجلسها في المقعد الخلفي .. يجلس بجوار السائق .. يلتفت إليها مهدئا من روعها .. يمد يده بزجاجة سبراى ضاغطا عليها .. قائلا :
بعض "الكولونيا " حتى تهدئى .. ولا تدري ما حدث بعد ذلك .. إلى أن أفاقت على تلك الحالة !! يٌفتح باب الحجرة المظلمة .. ويضاء نورها .. ليغشى عينيها .. تغمضهما .. لتفتحهما بعد ثواني لتجد أمامها زميلتها فى العمل "هالة" الممرضة .. تنتابها الدهشة .. تتساءل : من ؟ .. هالة ؟! كيف عرفتي أننى هنا ؟! .. بالله عليكِ .. فكي وثاقى .. وأخرجيني من هنا .. لقد أخبروني بأن زوجي مصاب في ساقه .. وأخذوني معهم !! و...
تقاطعها "هالة " .. وقد اكتسي وجهها وصوتها بوحشية مفزعة :
ـ سأخبركِ .. لقد أحضرتكِ لأنتقم منكِ !! تقترب منها وغل فظيع يملأ وجهها وصوتها :
ـ نسيت أن أخبركِ ، عاطف لى ولن يكون لغيرى .. هل فهمتِ ؟! ، ما أريده دائما آخذه عنوة يا عزيزتي !! .. أنتِ التى جنيتِ على نفسكِ ! عاطف حب عمري ، سأخبركِ بسر لا يعرفه أحد غيري .. ولا خوف من أن تعرفيه فأنتِ ستموتين قريبا ، زوجة عاطف كانت صديقتى، كانت فى منتهى السعادة مع زوجها ، ومن كثرة حديثها عنه .. عشقته .. أصبحت مجنونة به ، عندما وضعت طفلها ، رعيتها ، ولكن حبى لعاطف كان أقوى من صداقتي لها !! عشت عامين وبداخلى بركان ثائر من العذاب والألم والحب الذى يتزايد بقلبي لعاطف !!
انتهزت فرصة مرض زوجته .. وحاجتها إلى الحقن .. حقنتها ثلاث مرات حقنا سليما وفى المرة الرابعة .. حقنتها "حقنة هواء" .. لتنام إلى الأبد حتى أفوز بقلب عاطف !! رعيت ابنه واعتبرته ابني ، وأوشكت خطتى على الاكتمال ، إلى أن ظهرتِ أنتِ ، وتعلق عاطف بكِ ، دخلت بقدمكِ دائرة النهاية واللاعودة يا عزيزتى، عاطف لي .. " ولن تأخذيه أبدا منى " .. وتمضي تكيل لها الصفعات بقسوة وشراسة وهي تصرخ .. عاطف لى !! عاطف لى !!
ترجوها "فرح " أن ترحمها .. فكل ما تقوله غير حقيقى .. مجرد أوهام .. تصرخ باكيه من ألم الصفع الشديد ثم تنهار .
تجذبها "هالة" من شعرها بلا رحمة .. وتروح فى نوبة قهقهة هستيرية !! تتوقف عن قهقهاتها .. موجهة حديثها إلى "فرح " :
_ الآن ماذا تطلبين قبل موتكِ ؟! لا تقلقي سأختار لكِ موتة رومانسية ! ما رأيكِ فى حقنة هواء ؟! أم الأفضل تناولكِ حبوبا منومة ؟! الطرق كثيرة والموت واحد !! فأنا أحب العدل .. ولكِ أن تختاري طريقة موتكِ !!
يتعالى بكاء "فرح" .. تغضب "هالة" مرددة :
ـ كفي عن النواح وتكلمي .. لا تنظري لى هكذا ، فأنا لست مجنونة !؟ هل سمعتِ ؟! .. توقفي عن النظر لى .. تتعالى صرخات "هالة" ويتحول الضحك إلى بكاء ونواح مرددة :
" أنتِ لم تعيشي حياتي لتحكمي علىَ ! لا أحد عانى ما عانيت ! كلكم ضدى ، لم يهتم بى أحد سوى "منى" زوجة عاطف ، اعتبرتني أختا لها ، يا إلهي كيف قتلتها ؟! هل حقا ماتت !؟ .. " سامحيني يا منى !! "
تتجه مرة أخرى إالى "فرح" : " قلت لكِ لا تنظري لى هكذا ، لست مجنونة ، كما كان يردد أبي ، كلماته ما تزال فى أذني ، أسمعها كل وقت وحين !! وكأنها تخاطب أباها :" لا لست مجنونة يا أبي ، توقف ، سيسمعك "نادر" ، لا تحكي معى أمامه ، أرجوك لا تحرجنى معه !؟ "
تتجه بحديثها الباكي إلى بعيد .. إلى عالم آخر تراه هى فقط : ..
ـ " نادر لا تذهب أرجوك ، اسمعني جيدا ، تعلم إن أبي أصابه الزهايمر ، وأنا وحدى التى أرعاه ، لا تغضب من كلامه ، لا تتركني وحدي ، أنت حب عمرى وحياتى ، سنتزوج ونظل هنا معه كما اتفقنا !! "
تعود من عالمها إلى " فرح" .. محدثة إياها فى ضعف وألم شديدين : هل تحبين أن تعرفي ما حدث بعد ذلك ؟! .. أقول لكِ .. بعد أن سمع " نادر" ما قلته له .. قال :
ـ لا يا "هالة" ، لم أعد أتحمل ذلك العجوز ، لا أمتلك الطاقة للجذب والشد معه طوال الوقت ،علينا أن نعيش بعيدا نعيش وحدنا .. وعليكِ أن تختاري إما أنا وإما والدكِ !
استرحمته .. حاولت معه كثيرا .. رجوته ألا يذهب ويتركنى أنعي حظى !! قلت له : لماذا تعاقبني على بري بوالدي ؟! لمن أتركه يا نادر؟! عليك أن تقدر موقفي .. كن إنسانا ، وأعدك ألا يضايقك أبدا ، سأغلق باب غرفته كلما كنت هنا ، لكن لا تذهب أبدا وتتركني وحيدة !؟
تنتابها نوبة بكاء حاد .. وصراخ وعويل .. وضحك .. ثم تهدأ .. وتعود إلى ماضيها ..
ـ كيف هنت عليك يا نادر وتركتني ؟! اليوم يوم زفافك على غيرى ، وأنتِ يا "منى" هل تصدقين أن نادر تزوج غيرى ؟! .. ابعدي عنى لا دواء .. لست مريضة ، لست مجنونة يا "منى" ، لن انهار من أجل خائن !؟
أنت خائن يا نادر !! لعنك الله .. فلتذهب إلى الجحيم ! فليذهب الجميع إلى الجحيم !
ماذا تقولين يا منى ؟! ، مات أبي !؟ كيف ذلك ؟! .. لقد كان يتحدث معي كل ليلة .. من هذا الذي يقف في آخر الغرفة .. وماذا يريد ؟!
لا لن آخذ الدواء ، أنتم تريدون قتلي !؟ .. حتى أنتِ يا منى !!؟
تصرخ "هالة" : كلكم كذابون .. خائنون .. حتى "منى" خانتني ، وضعتني في مصحة نفسية ، بحجة أنها تخاف علىَ و كانت تزورني دوما ..
ظللت صامتة طويلا .. وأخيرا بكيت و استعطفتها .. حتى كدت أقبل يديها ! ..
ـ أرجوكِ يا "منى" ، خذيني معكِ ، ؟ أعدك سآخذ الدواء .. استحلفكِ بالله .. اخرجيني من هنا !
كانت "منى" ساذجة مثلكِ ، خرجت معها وذهبت إلى منزلها ، اهتمت برعايتي كإبنة لها ، لكننى عشقت زوجها "عاطف" ، تخيلته "نادر" حبيبي ، أهملت الدواء وأقنعت "منى" أنني أتناوله وتحسنت ،صدقتني لطيبتها بل لغبائها ، تماديت في أحلامي " بعاطف" وزاد ضيقى من "منى" ، وأخيرا تخلصت منها ، قتلتها كما قلت لكِ ، وكادت أحلامي تتحقق لولا أنتِ يا "فرح" !!
تقترب من "فرح" مرددة :
حان وقت رحيلك أيتها الخائنة ، عاطف ملكى أنا ! .. لا أحد سيأخذه منى .. فهو لي .. ولى وحدى .. وأنا له !!