الفصل الثالث
وقفَ أحمد يستمتِعُ معهَا بالمطرِ، ثّم جذبتْه معهَا ليمرحوا تحتَ رذاذِ المطرِ، الّتي بدت كحبّاتِ اللؤلؤ المنثورِ، على الأرضِ وعلى رؤوسهم المبتلَة، أغمضَ كلاهمَا عينيهِ، وأخذَا يدورَان كالأطفالِ، حتّى سقطَ أحمد واتسختْ ملابسُه بالطّينِ، وهنَا تعالتْ ضحكاتُ سمر؛ فغضبَ وقامَ يجري خلفَها ليمسكَ بها ولكنَها تعبتْ وتوقفَتْ، أمسكهَا وضحكَا معًا، ثّمَ طلبتْ منه أن ينزلَا النّهرَ فهي تودُ أن تركبَ هذه المراكبَ الراسيةِ قربَ النّهرِ، وتحتَ إصرارِها عليهِ، وافقَ على مضض فالطّقسُ ممطرٌ ولا يصلحُ لركوبِ النّهر، لكن ماذا يفعلُ مع صغيرتِه المجنونةِ، نزلَا وسقطَ حذاؤهَا بالنّهر، مدَ أحمد يدَه ليمسكَه فسقطَ بالمياهِ، وسمر لم تستطعْ أن تمنعَ نفسهَا من الضّحكِ، خرجَ أحمد غاضبًا ومبتلّا، وأخذَ يعطسُ بشّدة، لقدْ أصابَه البردُ، وقالَ لهَا:- أنا مخطئ حقًا لأنّي سمعتُ كلامَ مجنونةٍ مثلكِ أيّتها البلهاء. وتوجهَ غاضبًا نحوَ المنزلِ، وهي خلفَه تحاولُ أن تصالحَه، استدار واقتربَ منهَا معلنًا حبّه لها ثّم ضّمهَا إليهِ، ومدَ يدَه وقطفَ وردةً ووضعَها في شعرِها المسدولِ كالّليل على كتفيها، خجلتْ سمر منْه وابتعدتْ لكنَه جذبَها إليه، وضمهَا برقّةٍ، وكادَ يقبّلُها، لكنَه سمعَ صوتًا يأتِي من بعيدٍ كصوتِ والدتِه، تنادِي باسمه، ظّلَ الصّوتُ يقتربُ، حتّى نهضَ أحمد مفزوعًا من نومِه؛ ليجدَ كلّ ما حدثَ مجردَ حلمٍ جميلٍ، نفض الكسل عنه وفرك عينيه وابتسم ثم قال:- آه لو كان هذا حقيقة إنها أجمل ما قد يكون، لو كان واقعا. تمنى لو أن والدته تركته ليستمتع به، نظر إلي والدته وقال لها :-أسعد الله صباحكِ أمي، كان حلما جميلا جدا ليتكِ لم توقظيني منه، تمنيت ألّا استيقظ منه أبدًا. تبتسم والدته مرددة: - أسعد الله صباحك ابني العزيز، وجعل أحلامك واقعا وأيامك كلها جميلة، ولكن لتحقيق أحلامك لابدّ من الجدّ والعمل، لا النوم و الكسل، هيا انهض لتهتَّمَ بدروسِك، وتحققَ أحلامَك وتنال ما تتمنى فلم يعد هناك وقت للكسل. استيقظت سمر وألقت عليهما تحية الصباح، وسألت: - كيف نمت هنا؟ لا أذكر شيء.
ضحك أحمد قائلا: - صباح الخير عزيزتي، نعم نمتِ هنا، بينما شهريار يروي لكِ القصص، في حين اضطر شهريار النوم على الأرض ليحرسكِ حتّى أدركه الصّباح، وهلّت والدته الحسناء سناء لتوقظه من أحلامه الجميلة. ضحكَ الجميعُ على أسلوب أحمد وروحه المرحة، وتمنت سمر أن تراه كاتبًا ذاتَ يومِ، فهو يتمتعُ بأسلوب سردٍ رائعٍ للقصصِ بجانب كتابتِه الجميلةِ. ذهب الجميع لتناول الإفطار، ثم أحضروا كتبهم للدراسة جميعا؛ ليحاول كل واحد أن يجمع ما فاته من دروس، فقد اقتربت الامتحانات وفاتهم الكثير. بعد صلاة العصر تجمّعوا لتناول الغداء، وكانت سمر تبدو حزينة، لاحظ أحمد حزنها فقال: - ماذا بكِ يا صغيرتي؟ لقد كنتِ منذ قليل ما الذي غيركِ فجأة؟!.
ترد سمر بأسى: - لا عليك، أنني أفتقد والدي، سفره الكثير وغيابه يؤلمني، أشعر أنه يهرب من حزنه بالسفر وكثرة العمل، كم أشتاق لسماع صوته في المنزل، فهو كالنّغم الّذي يعطينا الدفء والحنان، وجوده معنا يمدّنا بالأمان، نحتاجه الآن أكثر من قبل، أتمنى أن يعود ويحتوينا بحبه وعطفه، أنت تعلم أن الأب هو الأمان.
بود وعطف يرد أحمد: - لا عليكِ يا سمر، إنه موسم التّجارة لذا زادَ سفرُه، ووالدي أيضًا معه، سوف يعودُ قريبًا ويكون معكِ، فلا تحزني وحاولي أن تذاكري جيّدًا، لقد اقتربت الامتحانات، لا تفكري كثيرًا واطمئني، لقد سمعتُ أن والدي وعمّى يُجهّزان لبدأ تجارتهما هنا، ولن يكون هناك سفر بإذن الله، سوف يستقرّون معنا.
ترتاح سمر لكلامه مرددة: - حفظك الله لنا أحمد، لا أدري ماذا كنا سنفعل لولا وجودكم أنت و(ماما سناء) معنا، شكرًا لكم. يعبس أحمد غاضبا من كلامها قائلا: - رجاء يا سمر لا تكرري هذا الكلام، نحن أهل ولا يُشكر أحد على واجبه، أحضري كتبكِ وتعالي للحديقة لنذاكر هناك، فالطقس بها رائع و يريح الأعصاب. بينمَا هم يراجعونَ دروسَهم، ظّل أحمد شاردًا في كلمة سمر عندما نادته بأخي؛ آلمتْه الكلمة لمَا يكنه لها من مشاعر حب.
فجأة سمعوا صوت صراخ والدة أحمد من داخل البيت فهرعُوا جميعًا إليهَا.