الفصل الثاني عشر
مرّت أيّام وسمر حزينة على فراق أحمد، ما أن فتح أحمد النت حتّى وجد عشرات الرسائل أُرُسلت من سمر، أخرها تلك الرسالة :أحمد، اشتقت لك كثيرا، لا أستطيع التّكيف مع أحدِ غيرك، أشعر بفراغ بداخلي، رغم كل من حولي وما حولي، أنت فقط من تحتويني بحبك، عالمي داخل قلبك، أكاد أختنق وكأنّني كنت أتنفس وجودك، بعادك يقتلني، ليتك هنا الآن، أحاول عبثًا أن أجد نفسي بين طيات الكتب، التّي طالما رويتها لي ولكن هيهات، صورتك تطل من بين أوراق الكتب، فلا أستطيع أن أكمل سطرًا واحدا، ليتك معي الآن، فالحياة بدونك موت، موت مكتمل .بكى أحمد عندما قرأها واعتذر لها عن تأخّر تواصلهما، فقد كان يجهز النت للاتّصالات، ووعدها أن يكونا معا على النت، طوال اليوم من بداية صباح الخير وحتّى تصبحين على خير يا حبيبتي، كان كلاهما يروي للأخر، أحداث يومه تفصيلًا، يتبادلان أطراف الحديث، حتّى القصّص كان أحمد يرويها لها كل ليلة قبل أن تخلد للنوم، وتنعم بأحلامها الوردية الجميلة .أمّا سامي فكان غارقا في حبّه لمايا، الّذي عصف به من أوّل نظرةٍ بينهما، ظّل يكابر ويعاند، حتّى غلبه الشوق؛ فاعترف لأحمد راجيًا منه ألّا يسخر منه ويساعده لرؤية مايا مرّةً أخرى، ولكن ما كان يقلقه خوفه أن تكون مرتبطة عاطفيًا بأحدهم، ولكنّه ظّل يدعو الله أن تكون من نصيبه، فهذه أوّل مرّةٍ يتعلقُ بفتاة وتشغلُ بالَه ويحبها كلّ هذا الحب .في يوم العطلة اتّصل أحمد بجاسر، لينتظرهما في المطعم، وكان سامي كلّه شوق وأمل، أن يجد مايا هناك، لكن عندمَا وصلَا لم يجدَا سوى جاسر وعبد الرّحمن؛ فعبِس سامي قليلًا وظّل صامتًا طوال جلوسه، معهم بجسده بينما فكره مشغول بمايا، يتطلع بلهفة لقدومِها، وأخيرًا هبة نسائم عطر مايا، الّذي ظّل عالقا بذاكرته، فاستدار ليجدها بابتسامتها السّاحرة قادمة نحوهم سلمت عليهم وجلست، وسامي دقات قلبه تعلو، تكاد تحدث هزات أرضية متتالية من شدتها، وروحه ترقص فرحا .إنهّ الحب الّذي يمنحك جناحين لتطير بهما في سمائه، الحب الّذي يجمع عليك الفصول كلّها في لحظةٍ واحدةٍ؛ فتهطل عليك سحابات العشق فتنعش قلبك برذاذها، لتمنحك عطرا لزهور تتفتحُ بداخل روحك الهائمة عشقًا، لتتساقطَ أوراقُ خريف عقلك بلامبالاة، مسلمًا الروح والقلب والعقل والكيّان بأكمله دون مقاومة لمحبوب قد لا تعرف حتّى اسمه، تشعر بحرارة صيفٍ من لمست يدك بيده بل دون تلامس مجرد تلامس قلبك بقلبه روحك بروحه، مجرد ظهوره أمامك أوحتّى تذكر اسمه تحيطك تلك الهالة من الفصول الأربعة. لاحظ أحمد هيام سامي بمايا، فحاول أن يساعدَه ليفتحَ حوارًا مع مايا، فهي تعشقُ الفنون التّشكيلية والرسمَ مثل سامي، فبدأ الحديث وتركهما يتناقشان معا وأكمل هو حواره مع جاسر، كانت سعادة سامي لا توصف لحظة أن أعطتْه مايا رقم هاتفها، وكأنّه أمسك نجوم السّماء العالية فرحًا، سجّله وقلبه يحفظه قبل عقلِه، وتمنَى أن يكون بداية قصة حب وارتباط بينهما للأبد.
كان الوضعُ شبه مستقّرٍ في منزل سمر، كبُرَ حسن وحسين، وكبرت مشاكلهم المعتادة، من شجار بينهما أو مع أولاد الجيران، كان حسن هادئًا ومطيعًا بينما حسين على العكس حركي ومشاغب لا يكف عن الحركة واللّعب والشّجار، والحديث ليلا ونهارا، بجانب طمعه في أي لعبة، ورغبته العارمة في امتلاك المزيد من الألعاب، وأخيرًا تعلقه الشّديد بألعاب الكمبيوتر والنت، مما يحدث شجارًا طوال الوقت وضجة، فقررت منال أن تحدثه وحده أخيرًا، بعد كثرة الشّكوى منه داخل المنزل وخارجَه، وخصوصًا بعد أن تعلمت هي الأخرى مهارات الكمبيوتر لمتابعة الأولاد، وعدم تركهم لأهوال النت ومخاطره الرّهيبة، كانت كلّ يوم تقوم بجردٍ شاملٍ، وفحص بعد نوم الأولاد على الكمبيوتر وأجهزة كلّ منهم؛ لتعرف ما يلعبون ومع من يتحدثون، ووجدت حسين يفتح أفلام ومقاطع غير لائقة، ويتحدث مع فتيات وشباب غرباء عنه، فقرّرتْ محادثته قبل أن تخبر والده بالأمر، آملة أن يهديه الله ويستجيب لتوجيهها. دخلت غرفة حسين في المساء فبدأت حديثها بالسؤال عن أخبار دروسه، والمدرسة وأصدقائه ولمست شعره بيدها بحنان، لتكسب قلبَه وثقتَه معا، واسترسلت تخبره أنّها والدته وصديقته أيضًا ويجب أن يكون بينهما صراحة وصدق، ولا يخفي عنها أيّ شيء، وأخبرته أنّها تعشق خفة دمه و شخصيته المرحة، ثّم وجهته بهدوء بضرورة استئذانه من الآخرين قبل استخدام أشيائهم، وضرورة الهدوء واحترامه لهم ولأصدقائه، واحترام خصوصياتهم مهما اختلف معهم، يختلف باحترام وعدم شجار ويبقى الحب ينهمم، كان حسين يهز رأسه بالموافقة علي كلام منال ثّم طلبت منال منه اللاب لتحدث أحمد منه، متحججةٌ بتعطلِ جهاز والده، فتّغير وجهه ورفضَ قائلًا:- إنه غير مشحون، لكنّها أخذت الشاحن واتجهت نحو مكتبه، وبدأت تفتحُ بهدوء، لكن تحرك حسين بسرعة، وأغلقه وأخبرهَا أنّه لديه أسرار، ولا يريد أن يراها أحد .لكن منال ظّلت محتفظةً بهدوئها، وأخبرتْه ألم نتعاهد على الصّداقة والصّراحة؟ وفتحت اللاب بسرعة، فظهرت الرسائل ومقاطع الفيديو، الّتي لم يستطع إخفائها. شعر حسين بالخجلِ منهَا ولم يستطع أن ينطق بكلمةٍ، تظاهرتْ منال بصدمتها مما رأتْ، حتّى لا يشك حسين أنّها تفتشُ خلفَه وتراقبُه، ثّم جلست بجواره واحتضنته، واعتذرت منه عن تقصيرها معهم، وانشغالِها بوالده الّذي أجرى عملية جراحية منذ فترةِ، ووعدته أن تسمعَه، اندهشَ حسين من هدوئها معَه وانهارَ في البكاء، معتذرًا من منال الّتي أخذتْ تحتضنُه وتهدأ من روعه، قائلة له:- نحن بشر وكلنا نخطئ من منا بلا ذنب، ولكن الله غفورٌ رحيمٌ، لن نمشي مستقيمين دومًا، لابد لنا من انحناءات لنستقيمَ ولكن بعد كلّ ذنبٍ لابّد من توبة وعودة إلى الله، فإذا كنت أخطأت، فلا تيأس من رحمة الله، ولكن اعزم على عدم العودة للذنب، وابتعد عمّا يبعدك عن الله سواء أصدقاء أوالنت، فالنت يا حسين للعلم والاستفادةِ واللّعب، وليس للمعصيةِ والذّنوبِ، فهو سلاح ذو حدين، إن لم تنفع به وتنتفع منه، يضرك يا حبيبي، ولابّد من مراقبةِ نفسك وضميرك ومخافة الله تعالى. لا تملَ من كلامي وتعتبرَه محاضرةً بالأخلاقِ، كما تفعلون مع معلميكم بالمدرسة، فقط قبل أن تفعل أي شيء اسأل نفسك: هل هذا العمل سيُرضي الله. قبل أن تضغط على أي زر، اعلم بأنّ الله يراك، ومثلما خجلت مني، لابد من خجلك وحيائك من الله، الدنيا نهايتها طريقان جنة أو نار، وأنت من تختار نهاية طريقك بأعمالك، يا صديقي ألم نتفق من قبل على ذلك؟ وقبل أن تعاهدني ألّا تكررَ هذا، فلابد أن تعاهدَ الله وتستغفر وتتوب، وتنوي على عدم العودة، فاتق الله ليخرجك من الظّلمات إلى النور، (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ).بعد مغادرة منال غرفة حسين، بدأ بحذف كل الصّور والأفلام وحظر كلّ موقع وكل صديق سيء معاهدًا الله أن لا يكررها .بينما منال ظّلت ساهرة تفكرُ، تشعر بتقصيرها وتقصير زوجها نحو الأولاد، فهم في سن المراهقة ويحتاجون توجيه ومراقبة أكثر، لا يحتاجون رعاية فقط بل يحتاجون رقابة وتربية وهذه هي المهمة الصّعبة؛ فعزمت في الصّباح أن تتحدثَ للحاج عبد القادر بضرورة اهتمامه ومصادقته لهما، دون أن تخبره بما حدث .في الصّباح وأثناء تناول الجميع وجبة الإفطار، وقبل حديثِها معه جاء اتّصال للحاج عبد القادر، اتجه بعده مباشرةً إلى حسين وصفعه بيده على وجهه أمام الجميع.غضب حسين وتوجه لمنال وقال بغضب: لماذا أخبرتِه بما حدث؟ ألم تعاهدينني أنه سر؟ أنتِ كاذبة .