جبهة قد فتحت بين مدينتين متجاورتين، شباب من مدعي البطولة والإقدام والشجاعة قد أعدوا العدة بالأسلحة والعتاد وما شابه، احتدمت المعركة بين كلا الجانبين، والسبب نزاعات عرقية، وتجاوزات لفظية، وخلافات سياسية قد أثارت كليهما.
حدث اشتباك نتج عنه قتلى وجرحى عند كل طرف، والمقتول أطلقوا عليه لقب شهيد، والقاتل أصبح قائد ميدان يشار إليه بالبنان.
زُيفت الحقائق وغُيرت، وتلونت البطولات الوهمية بألوان وردية، وتعالت الصيحات بذكر المكاسب دون الخسائر، وسُطرت الوطنية بأحرفٍ من نور، وتشدقت الأفواه فخراً بأنها تدافع عن نفسها وأرضها.
وهنا وبعد مرور أجيالٍ بمراحل زمنية متعاقبة على مر الأعوام، يُكتب بين دفتي كتاب وجهة نظر تقول: سجل يا تاريخ واشهد يا زمان أن الإنسان لسان يروي ما يحلو له وفقاً لهواه، وتبقى حقيقة الحدث في علم الله، لتغيب في إطار من الغيب دون سواه.
ما الضامن أن الأحداث الزمنية التي أوردتها كتب التاريخ، وتناولها المؤرخون في تأريخهم لتلك الحقب الزمنية هنا وهناك، قديماً وحديثاً، قد حدثت كما ذُكرت كحقائق لا تدع مجالاً للشك؟ وما الذي يضمن صدقهم وقصدهم؟ وأن الأهواء الشخصية واستمالة السلطة لم تلعب دوراً فيما يُتناول.
هاجس تلون الحقائق وزيفها ينخر رأسي نخراً.
عذراً أيها المؤرخون!
أنا لا أوقن تماماً بما أوردتموه في كتبكم، وقناعتي أن الشواهد كلها منقوصة، والأحداث والوقائع مقصوصة، وانفراد القلم والفكر لا يأتي بالحقيقة كاملة، وعليه أقول:
* لا تاريخ دون تتبع ودراسة لكل النصوص التاريخية.
* لا تاريخ دون وصف وتحليل لما يجري من أحداث.
* لا تاريخ دون وثائق وتحديد الفترة الزمنية وقتها.
* لا تاريخ دون تأريخ.