خرج من بيته يحمل حقيبة أفكاره في رأسه، وحقيبة أغراضه في يده، عقله منهك من كم المسئوليات الملقاة على عاتقه، ويده لا تملك إلا أقل القليل، وما بين انشغال باله وانكفائه على نفسه مهموماً بما هو مطلوب منه، لتسيير حياته تأخذه خطواته لعمله وآلامه الكثيرة تصاحبه، يتمنى لو يختلي بنفسه بعيداً عن البشر ويأتي بأوراقه وقلمه ليتفرغ لهما ويفرغ ما في جعبته، ويسكب ما يوجعه في كأس العناء والشقاء.
حالة من التيه والفوضى داخله، ملكت عليه كل أوصاله، لم يعد يستطيع ضبط عقارب ساعته، انفلت منه الزمن وجار عليه، وانقلبت عليه أموره، وتسارعت دقات قلبه قلقا وأرقا وخوفاً من القادم.
إنها رحلة البحث عن الذات وماهيتها وأمانها واطمئنانها، إنه يبحث عن دفء ما، ربما يشتاق لأبيه وأمه، ربما لزوجته وأولاده، عيناه تحكيان حالة شوق لوالديه بالأكثر، فهما سببٌ في إطلاق زفيره الأول للقاء الحياة ومعانقتها، كان في كنفهما يلتمس منهما الحنان والأمان والاستقرار، وسرعان ما تغير الحال ودخل في طور المسئولية وطوقها، تجاه آخرين ينشدون تواجده بشدة. ووسط كل تلك النزاعات بقيت ذاته خارج نطاق الزمان والمكان وتاهت معالمها.
يحتاج لمن يأخذ بيده ويضئ معه عتمة الطريق ومسالكه الوعرة، لعله يخرج من كهفه وينطلق ليجد ضالته، وذاته المفقودة التي هي وطنه بالدرجة الأولى.
إنه صراع الوجود والعدم والحياة بينهما أمل وألم، وبقاء وفناء.