المدينة بأكملها تتصبب عرقاً من حرارةِ الجو وأشعة الشمس الحارقة ؛ فالكهرباء قد انقطعت وانقطعت معها كل وسائل الراحة والرفاهية ، وَتَرَكَتْ ورائها كل ما هو سيئ ولعين ، وعلا ضجيج المولدات الصاخب ليصيبنا بالإزعاج ويلوث أسماعنا بصوته .
المدينة التي أقطنها ساحلية تطل على البحر الأبيض المتوسط وطبيعي أن يهرول ساكنوها لبحرهم للتمتع بنسيم هوائه العليل ، والنظر لأمواجه المتلاطمة كحياتنا .
أصابني الضيق من هذا الجو الخانق فعقدت النية للذهاب إلى البحر مثلي مثل أهل المدينة التي أعيش فيها كمغترب بينهم لسنواتٍ طويلة .. فركبت سيارتي وأشعلت تكييفها للتخفيف من وطأة هذا الجو الساخن ، وما ان وصلت بالقرب من شاطئ البحر حتى صُدمت فقد وجدته مكتظاً بالعديد من الناس ومن كل الأطياف شباباً ونساءاً وأطفالاً وشيوخ .. زحاماً رهيباً لا يُطاق فرجعت أجر ذيل الخيبة ورائي وسوء الحظ البغيض .
المدينة تتميز ببحرها ، وما من مكانٍ آخر يمكنني الذهاب إليه سوى هذا المقهى الكائن في قلبِ المدينة بجوارِ النصب التذكاري العتيق فقد تعودت على الجلوسِ فيه بين الحينِ والآخر تنفحنا فيه نسماتٍ من الهواء .. دخلت ولم أجد كرسي واحداً شاغراً أجلس عليه .. تعجبت كثيراً فالمدينة كلها خرجت عن بَكرةِ أبيها وكأنها كانت في حبسٍ وفُك حبسها وانطلقت أقدام ما فيها تجري كالريح .. لم أجد مكاناً آخر أتفادى فيه حرارة الشمس سوى سيارتي فدخلتها ووضعت المفتاح بها وأدرت مُحَركها لأنعم بهواء التكييف بعضاً من الوقت انتظاراً لرجوعِ الكهرباء وعودة الحياة لطبيعتها ثم لاحقاً المعاناة من جديد .





































