نحن لا ندرك قيمة الأشياء الجميلة إلا بعد زوالها...
ولا نعترف بأهميتها ولا بحقيقة وجودها إلا حين نفقدها... وما من شيء يجعل مشاعرنا تخضع طوعًا لذلك الفقد،
إلا حين تُراق كبرياؤها كرهًا على صخرة التحدي،فتنبعث من داخلنا صرخةٌ عميقة، تخرج من أعماق الصحوة،
صرخة تقتلع السكون من جذوره رغمًا...وكفى بها غصّة دامية، شاهدة على مرارة الفقد!
للأسف، كثيرون مرّوا بغصّة ذلك الإحساس...وظلوا أسرى لانطفاء لحظةٍ وصمتها طويلًا، يحتضنون فزعهم بين صدرٍ منهك، وقلبٍ لجّيٍّ غارق،تتلاطم فيه الآهات يمينًا ويسارًا.إنها إحساسات قاسية،ملامحها هادئة، لكن بباطنها بركانٌ ثائر...
لا يُسمع أنينها، ولا يُرى تصدّعها...إلا الله، وكفى به وكيلًا،لا يعجزه نزعُ أحزاننا، ولا جلاءُ صدورنا،ولو بلغتْ أحمالُها ملءَ السماوات والأرض.
ويسألونك عن قلبٍ...انقطعت أوصاله بروحه، فماذا جرى؟
قل لهم:
قد لجأ إلى ربه، يناجيه...حتى اندملت كامل جروحه،وكأن شيئًا ما كان.فالقلب، وإن تصدّع، له مدامع تصبُّ في نهر الفؤاد،
مدامعُ صامتة، لكنها تُؤتى بها يوم الحساب،تُقرّ أمام خالقها دون اعتراض،تتلو رسائل كُتبت بحبرٍ من فيض المنبع،
وتشهد عليها الجوارح... فها هنا لا كذب ولا خداع.
يقول محمد حسين هيكل، : "فإيقاف الطفل تحت رذاذ المطر، ووسط أوحال الطريق،
قد يُسعده برهةً ما يبعثه المطر في نفسه من انتعاش...لكنه، ما إن يحاول تخطي الأوحال،حتى يسقط إلى أمّ رأسه،
ويبقى مرتكسًا...ثم من يدري إن كان سيجد من ينقذه؟"
وهكذا هو حال القلب
قد يسقط، ولا يجد يدًا تمتد إليه،
لكن رحمة الله لا تغيب...
وحين يلجأ إليه العبد صادقًا،
ينتشله من عمق الألم، ويغسله من آثار السقوط،
حتى يعود كأن لم يمسّه شيء..