إصح يا نايم، ،وحد الدايم..
إصح يا نايم، ،رمضان كريم..!!
ويبقى المسحراتي، هو صوت الحنين المستدعي من سماء الطفولة، هو نداءات اليقظة بعبق الذكريات الحميمة ، لطالما طال انتظارها بلهفة المحب ،المشتاق ،لذاك الشهر الكريم، كل عام، وفي حضرته سريعًا ما تتبدل الأجواء الساكنة خلف الأبواب المغلقة، المترقبة لسماع بشرى إكتمال هلال شهر" رمضان المبارك "، ولن تكتمل تلك الفرحة إلا بسماع نقر المسحراتي يعصاه الرفيعة، على طبلته الصغيرة إياها، فلقد خُيل لنا من قوة تمسكنا بتلك العادة الطيبة أنها احدى شعائر الصيام..وليست عادة متوارثة عن أباءنا، وأجدادنا منذ قرون .لقد كان حريصٌ جدًا على أن ينادي كل أسرة بترتيب أعمارهم ..دون أن يسقط منه إسمًا،أو يخطئ في النداء ،وعلى وتيرة واحدة،كان يدعو للصغير قبل الكبير ويُذكر أصحاب الدور، بأهمية زكاة الفطر،وضرورة إخراجها للأقارب،والفقراء، والمساكين..ووجوبها على الفقير، والغني ،وذلك كان من خلال مقطوعات غنائية صغيرة ينشدها بصوته،يؤديها بإحساس عالي ..لدرجة أن كلماته تركت فينا أثر ،لم يمح من ذاكرتنا حتى وقتنا هذا ..
والرائع في الموضوع حينها ..كلما كان ينادي عليك، كأنك تسمع إسمك هذا لأول مرة، اوكأن هذا النداء مرسل إليك وحدك من أقصى أقصى القمر ..!!
فذاك القمر، هو الأخر ،كان له نصيبٌ كبير، في إكتمال فرحتنا!!
ضياؤه كان شراع الأمان في اماسينا الجميلة، يتخلل الزحام معنا على طول الطريق سيرًا..وراء طبل المسحراتي ،يشاركنا الأحاديث، والمقطوفات الغنائية ،فيجمعنا تحت ظله بخيالٍ واحد، وعلى قلب طفلٍ واحد..تتشابك الأيدي دون خوف، وتلتصق الأكتاف دون فزعٍ،أو قلق.. قد تبدو الصورة للعيان فوضى في ظاهرها، فلك أن تقول ما شئت عنها، فمن شدة الزحام بالمشهد لا تزعم أنك تقدر أن تفرق بين بنتٍ او ولد، صغير كان أو كبير.،لكنك تستطيع أن تقول انها صحبة من الورود متعددة الأشكال والألوان،فيها العود الطويل، وآخر قصير ، فيها المائل بالقليل على عودٌ يجاوره ،وفيها المستقيم..وبالرغم من تفاوت أعمارنا إلا أنه.. كان لا يتجرأ ،أحدٌ منا أن يخل بحدود الأدب والأخلاق ،مع صديقه أو، صديقته الجوار.
ومع أخر ليلة بشهر رمضان نودع هذا الرجل.. الغائب بين طيات شهور العام الأيام ..لحين يعود لنا من جديد،.لكنه يظل الحاضر بذكراه في قلوبنا، ولن ننسى له..أنه كان يوزع السعادة علينا وقتما كانت السعادة آنذاك ..لا تباع،و لا تُشترى !!
و كان يكفينا" كلمة طيبة " نسمعها ..يظل أثرها ينمو في أراضي قلوبنا يومًا بعد يوم، لذا تشعبت جذور الطيبة ،والمبادئ، والأخلاق فينا، فصارت شجرة وارفة،.. نجني ثمارها الأن بقدر المستطاع، لتمر أيامنا هذه وكفى!!
أقصى أمانينا كانت قصة نقرأها، أو نسمعها..لنعيش بلُّب احداثها سواء كانت مغامرات، أوتراثية، او دينية..كل همنا أن نخرج منها بعبرة، أو عظة..نتسابق مع بعضنا البعض في تقليد بطل الحكاية ،ولو لزم الأمر..أن نطير مثله نطير..!!
نصنع أجنحة بأقل الأشياء ،بل ويدعونا الفضول أحيانًا لفتح مغارة "علي بابا " نفتحها !!وما المانع؟!
طالما الخيال واسع ،وبأقل الإمكانيات كنا نستطيع أن نبني مدينة كاملة، ونلونها بألوان الطبيعة ..لا نعجز عن خلق أشخاص وهميين ،يشاركونا مدينتنا الصغيرة، نتعامل معهم بكل ما اكتسبناه من أخلاق، وعادات. التي هي في الأساس "نسختنا الأصلية" .
اعلم أني..قد خرجت عن إطار الموضوع، وفي الواقع ، رايتها فرصة ،لطرق ذاك الباب..لأذكر نفسي وإياكم بأشياء، أخذها الزمان عنوة ،وقهرًا منا، فبدلًا من أن ندافع عنها، ونحميها مخافة الإندثار ،وقفنا مكتوفين الأيدي، أمام شاشات الهواتف،يختفي آثرها شيئًا،فشيئا ،نرمي اللوم على الأجيال الجديدة ..وعدم تمسكهم بكل ما هو قديم ، وكان من المفروض أن نشفق عليهم .!!
"نعيب زماننا، والعيب فينا "
يقول عباس محمود العقاد:"وكان المسحراتي يشغل الطريق بين الباب والباب _من الأبواب التي يقف عليها _
بكلمات الوعظ،أو الدعاء، أو التسبيح، ثم يعود إلى النداء وترديد الأسماء..اصح يا نايم ،وحد الدايم!!
ويقول ايضًا:"وهذه نقلة بعيدة إلى التجديد "المودرن "
لأن "الصوت الحي" لم ينقطع قط من الدعاء إلى الشعائر الإسلامية، أوما يشبه هذه الشعائر من لوازمها الإجتماعية،
ولابأس بالتجديد في كل زمان وفي كل عادة..ولكن "الصوت الحي"لا ينفصل عن عادات الإسلام في قديم، ولا جديد. .